Tuesday 1 May 2012

من السابعة صباحا الى السابعة مساءا

من و عن بلد يعيش فى حالة من الاعتصام اكتب انا، اكتب من بلد تحول عبر العصور من ارض النيل الى ارض الكنانة الى ارض النفاق وصولا الى ارض الاعتصام  الفئوى منه و السياسى، لست ممن اعتصموا سياسيا اوممن اعتصموا فئويا و لكنى تشرفت بالتظاهر السياسى السلمى فى ميدان التحرير فى آيام ايقظت فينا الانسان.
لنترك السياسة لاهلها، و اسباب الاعتصامات لاهلها بالتبنى "الفضائيات" سابقا، و اتركونى اتحدث عن "المعتصمين" .
اعتصام العاملين بضرائب الاسكندرية 24 يناير 2011
فى الخمسينات من عمره، مدير ادارة بمؤسسة حكومية، له من الابناء اربعة، احدهم "ضال" كما يعتقد هو، فهذا الشاب عضو فى احد الحركات السياسية البارزة ذات الاسهام الغير مغفول فى تحريك رواكد الحياة السياسية من قبل ان تقوم فى اهل مصر ثورة، ايقظه هذا القتى برسالة من هاتفه فى السابعة صباحا نصها " انا فى اعتصام وزارة الدفاع سيبت رقمك للناس هنا عشان لو مت تيجى تستلم الجثة"  بغضب قرأ الرسالة التى لم تكن هى الاولى من نوعها فقد سبقتها رسائل لو كان الجبرتى حيا يرزق لاشتراها ليؤرخ لتاريخ النضال الثورى المصرى من قبل الثورة الى المرحلة الانتقالية.
"اللهم اهده فى من هديت" هكذا ناجى ربه فى صلاة الصبح طالبا الهداية لابنه الذى يصفه بأنه ضل السبيل. استعد لتمضية يوم جديد من حياته التى اعتاد فيها ان يكون المنتظر و المتلقى, جلس مع زوجته و احدى بناتيه، فسأل عن الاخرى فأخبرته زوجته انها متغيبة عن المدرسة ابتداءا من اليوم الى ان يشاء مسؤولوا الوزارة، "المدرسيين يا سيدى عامليين اعتصام و هيضيعوا مستقبل العيال كده..حسبى الله و نعم الوكيل...ادى اللى اخدناه من الثورة! و لا بلاش اتكلم احسن يقولوا عليا فلول" 
استيقظ ابنه الاصغر من النوم و لكن ليدخل الحمام فقط لاغير فهو عاطل عن العمل و متعطل عن الحياة الى ان يجد له والده فرصة عمل فى الهيئة الحكومية التى يعمل بها, التفت الى ابنته الكبرى شاكيا: "يعنى تبقى بنتى صحفية تحقيقات و مش عارفة تجيب لاخوها شغل؟" قاطعته باجابة مسرعة" ما حضرتك بقالك 20 سنة فى الهيئة و ماعرفتش تجيب له شغل" ببرود استقبل ردها و لكن فى داخله كان العجز فى اعظم صوره, حاول ان يبدى تجاهلا لما يشعر به من عجز متناسيا رد ابنته المحبط سائلا اياها" بتكتبى بقى ايه جديد؟" ردت قاطعة كعادتها"بكتب عن المزايدات" سألها مستعجبا:"انتى مش كنتى تحقيقات بقيتى فى الصفحة الاقتصادية؟" ردت ضاحكة:" لا يا بابا مش الااونا..الا دوى..الا ترى...المزايدات ان مثلا حد يبقى فى التحرير دلوقتى و يقول عليك سلبى او كنبة او فلول او جبان او خاين لمجرد انك مش بتشارك فى اعتصام او مظاهرة..و ممكن تكون فعلا انت مش مشارك لانك مش مقتنع مش لازم تكون شخص سلبى يعنى." انزلت عليه هذه الكلمات سكينة لا حدود لها فأختفت اصوات السلبية التى كانت احيانا تعلو فى نفسه, و اخذ يطمئن نفسه بأنه واحد صاحب وجهة نظر.
نزل من بيته و طال انتظاره فسيارة العمل تأخرت نحو ساعة و نصف و بالطبع كان مبرر السائق " يا باشا الاعتصمات واقفة المرور و واقفة حال الكل" ركب السيارة مع زميليه السلفى و الليبرالى, و افتتح السلفى المزاد اليومى" اعوذ بالله من الاعتصامات و المظاهرات...طول ما البلد مليانة بالخونة عملاء امريكا اللى بيحرضوا الناس على معصية اولى الامر منهم هنفضل فى مصاف الامم النامية...و لسه عايزين رئيس ليبرالى...عايزيين اكتر من كده غضب من ربنا عليكو." فسرعان ما هبت رياح اليبرالية عليه من المقعد الخلفى للسيارة "طب و النبى قوللى حاجة عدلة عليها القيمة عملتوها من يوم ما اخدتو المجلس..ادى اللى انتو فالحين فيه هلفطة و خلاص و البلد حالها مايل زى ماهو انتو اللى عايزين تكوشوا على كل حاجة."
ما اجمل ان انطلق فيهما بدرس المزايدة الذى لقنته لى ابنتى صباحا, و بنغمة الاب الحنون الواعظ قال لرفيقيه " يا جماعة بلاش نزايد على بعض" و فجأة تجمعت اصوات الرفيقين و السائق فى صوات راكب واحد "هااااااااااه يعنى ايه نزايد على بعض؟" فلا عجب ان يتكلم الجميع فى السياسة و هم ليسوا على دراية كافية بآداب الحوار قبل المفاهيم السياسية.
فور ان انهى كلمات ابنته وصلوا الى مقر العمل واستدار نحوهم السائق قائلا" يا بهوات اتصرفوا ف الرجوع لوحدكو انا رايح اعتصام السواقيين و كلنا عامليين اضراب قدام الهيئة عشان مرتبتنا تعلى...و لو ما عليتش و الله لنقفلهم الشارع من اوله لاخره."
فمارس السلفى دوره البرلمانى قائلا" انت يا راجل كنت عمال بتدعى على اللى بيعتصموا طول الطريق..انت كمان هتعمل اضراب؟"
و بمنتهى الثقة اجاب السائق قائلا" لا يا باشا دولا ناس فاضية و بتدلع اما احنا ناس مطحونة و معانا حق انا لا سلفى و لا ريبرارى لا مؤخزة." فلحق الليبرالى بركب الحوار موجها كل ما اتاه الله من نعمة البصر نحو السلفى"ما هو كل اللى فى البلد دى فاكر ان معاه حق."
انطلق الجميع كل على مكتبه و اذا بكل منهم يجد منشورا من رابطة اطلقت على نفسها "معتصمون بثبوت النون" تدعو فيها باقى الزملاء الى اعتصام مفتوح لحين زيادة الرواتب و تفعيل الترقيات, و كانت مصير تلك المنشورات سلة المهملات فالركاب الثلالثة اتفقوا اليوم على الذهاب للمدير العام للنظر فى تعينات ابنائهم, و ما ان جاءت الساعة الخامسة حتى ذهب صديقنا والد الشاب المناضل و الشيخ العاطل الى مكتب المدير العام , و بعد ان انتظر قرابة نصف الساعة دخل الى المدير يشكو له حال ابنه الذى حال على تخرجه الحول و لم تعطه الحكومة لا زكاة او حتى صدقة فهو لا يمانع فى التعيين المؤقت او الغير ثابت, و كان رد المدير اعتياديا فاترا " ان شاء الله اول ما يبقى فيه تعينات هيكون ليه الاولوية." خرج من المكتب حزينا شاردا حتى افاق على صوت مناديا "يا استاذ يا استاذ لو سمحت حضرتك الاقى فين ادارة الحسابات؟" فأجابه بمنتهى الاستياء كأنه عمر الشريف و لم يعرفه احد الصحفيين "استاذ ؟؟؟ انت ماتعرفنيش و لا ايه؟؟" اجاب الشاب خجلا" انا آسف و الله يا فندم اصلى لسه متعين جديد  هنا و ما اعرفش غير مكتب عمى بس الاستاذ مطيع نائب المدير." تحولت كل حواسه لهذا الشاب ليعرف منه انه حديث التخرج و يحمل نفس مؤهل ابنه الجامعى و لكنه تم تعينه لانه يحمل صفة قرابة لا يحملها ابنه, و ازداد الغضب عندما علم ان ابناء الوكلاء و بعض الموظفين المقربين للمدير لاسباب لا يعلمها الا الله و بعض رجال الاعمال تم تعينهم ايضا...لا سكوت لا سكوت لا س ك و ت, انطلق بقوة دفع بركان الغضب بداخله و قص ما علم على صديقيه الليبرالى و السلفى فما منهم الا ان نشروا الاخبار نشرا و تجمع حوله عدد من الزملاء ممن  يريدون تعيين ابنائهم, و اتفقوا على الذهاب الى المدير العام و على الفور ذهبوا و اقتحموا مكتب المدير و لم ينطق المدير غير " هتتحاسبوا ع الكلام ده...مالكوش عندى حاجة...اعلى ما فى خيلكو اركبوه" خرج الآباء الغاضبون من المكتب فصاح فيهم السلفى "حى على الاعتصام حتى تحقيق المطالب", بينما ذهب من اطلق على نفسه ليبراليا فى صفوف المتفرجين من باقى الزملاء قائلا على استحياء " انا عندى بنات فى التعليم يعنى مش كفاية مش عارف اعين البت الكبيرة كمان هيتم الصغيرين." فصاح والد المناضل و العاطل فى وجهه " الخونة اهم الخونة اهم" وفورا علا الهتاف من ورائه "الخونة اهم الخونة اهم" فقال الليبرالى بتهكم "طب بتزايدوا ع الناس ليه طيب ..انا واحد فى نظرك خاين اللى ورايا دول ممكن يكونوا مش مقتنعين بأسباب اعتصامكم!!"
لم يلقى لكلامه اى اهتمام و امسك بهاتفه المحمول متحدثا لابنته الصحفية" ايوا يا بنتى تعالى دلوقتى الهيئة عندى انتى واحد مصور عشان انا فى الاعتصام و عايزينك تيجى تعملى تحقيق...تعالى بسرعة على اد ما تقدرى الساعة دلوقتى سابعة الاربع على سابعة كده تيقى عندى.....لا لا احنا مش حركة معتصمون بثبوت النون...احنا احنا ...احنا حركة مش ماشيين بثبوت الميم ! "
فيعلو الهتاف من الخلفية "مش ماشيين بثبوت الميم...مش ماشيين بثبوت الميم"

2 comments:

  1. الله مدهشة هذه التفاصيل.حبيت المدونة جدا.أنا الآن بادور على فكرة لعمل سينمائي مأخوذ عن قصة نسائية ولفت إنتباهي إلى جوار كتابتك المهنة حسيت إنها ممكن يطلع منها شغل جديد ومختلف. لو كان عندك قصة أو فكرة تشعرين أنها تصلح لما أبحث عنه سيسعدني جدا قراءتها ولك التحية

    ReplyDelete
    Replies
    1. This comment has been removed by the author.

      Delete