Thursday 18 October 2012

حق معلوم

إنه منزلى الذى لا املك مفتاحه و لا اعرف من خدمه احد, كلما مررت بالشارع القديم وقفت امام المنزل لدقائق تحمل لى حنين يطفو على سطح الالم, هنا تزوجت و انجبت اولادى الاربعة, كانت اجمل سنين العمر فى اجمل بيت ورثه زوجى رحمة الله عليه عن والده, فما اجمله رفيق و ما احنه اب ! احياناً كنت اتمنى ان اكون له ابنة لا زوجة, و لكن كان ما بيننا من مزيج المودة و الرحمة الخرافى يحمل لى كل ما اريد من حنان و حنين لآيامه...آيام زوجى و آيام فيلا المعادى.
كان زوجى موظف كبير بإحدى الشركات الحكومية, كان يملك منزلاً فخماً فى المعادى القديمة الهادئة بعيداً عن صخب الحياة المصرية الجديدة, و لكنه كان كأى موظف, لا يملك الكثير فى اخر كل شهر, و يتهلل وجه ليس مع الرابع عشر من الشهر العربى و لكن مع بداية الشهر الميلادى حيث الراتب و تسديد الاقساط, كلما نظر لأولادنا الاربعة كان يقول حاملاً كل هموم الحياة " اربع ولاد..يعنى اربع شقق" طالما انشغل بالتفكير فى مستقبل الاولاد اكثر من تفكيرهم انفسهم فى مستقبلهم , و كان فى كثير من الاحيان ينظر الى السماء و يقول "ياريت كان حيلتى حاجة غير البيت", فشلت كل محاولاتى فى إقناعه ان الاولاد بإمكانهم الإعتماد على انفسهم , كان يبتسم و يقول "مش اى حد فى الآيام دى يقدر يعتمد على نفسه, يا ريت البيوت كانت زى زمان من الخشب, ماكانش حد غلب".
و فى العام الجامعى الاخير لإبنى الأكبر, كان المرحوم يترقب تخرجه, فقد اقترب الولد من الزواج و متطلباته الصعب توفيرها, و كان زوجى يردد دائماً "انا ماحلتيش غير البيت", و قبل تخرج الولد بثلاثة آيام, مرض زوجى مرضاً عادياً حسبته برد او انفلونزا عادية, و لكن المفاجآة القاسية التى لم تكن رحيمة بى او بأولادى على الإطلاق انه توفى, و لن انسى حتى الآن إبتسامته فى مشهده الاخير, كانت على وجهه إبتسامة من اتم عملاً او حقق هدفاً, فكان فى موته حياة للأبناء الاربعة الذين باعوا البيت الثمين, و اخذ كل منهم حقه,  كان نصيب الواحد منهم كافٍ لبداية حياة كريمة بمنزل صغير و حساب بنكى او مشروع خاص, اما انا فأتنقل بين بيوت الابناء, و إن اخذنى الجنين الى زوجى العظيم مررت لأرى بيتى ذو السكان الغرباء, اتفقد اللاماكن بناظرى, اشم رائحة الذكريات, فلا شك ان للآيام رائحة , انظر من مكانى هذا تحت صفصافة امام البيت, اتأمل خيالات زوجى و هو يؤكد لى ان فى رحيله بداية للأبناء, فهو مثلاً تزوج فى البيت الذى ورثه عن والده, و إن كان الابناء بحاجة لحنانه فهم الآن بحاجة لحياة, و إن كان الفراق أليم و الحنين عزيز, ففى موت واحد حياة لملايين.
فى استشهادهم حياة جديدة لأمة مصرية جديدة