Tuesday 15 October 2013

الكافر

ليست هى القرية رغم انه نفس المكان، ليسوا هم اهلها رغم انهم نفس الأجساد، فلحظة حياء الشمس قبل أن تشرق فى السابعة صباحاً تحولت الى لحظة حزن و فراق و كأن الشمس لا تريد ان تنير الوجوه فى هذا اليوم ! 

توضأ بعد صلاة الفجر و استعد للإبتسام فى الوجوه الهزيلة التى خدشتها شوكة الفقر لأعوام قبل أن يأتيها هذا العمدة الذى دعا الى الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر.. وقف فى بيته وسط تلاميذه غير مكترث بالوداع أو بصمت العيون و دموع الفراق، بل كان يحصيهم عدداً، فإنه ذاهب و هم باقون، سيرحل و يترك بدلاً منه خمسة من ورثة العلم أو الكفر كما أشاع العمدة فى القرية: أن هذا العالم الذى كان يحلم بالعلم يكسو الارض بدلاً من الفقر، إنما هو مجرد كافر يأمر بالكذب و الضلالة و يريد أن يلهى العباد عن الدين بدعوى "تعلم"!
جاء الخفر الى بيت العالم و جروه جراً نحو المقصلة الشعبية ليشهد الشعب مصير الكافر، و كفطرة اللحظة ..فهى العجيبة التى من الممكن ان ترفعك الى عنان السماء او تحرقك بجمر الحسرة و الخيبة، فطالما ما جاء هؤلاء الخفر ليصحبوه فى موكب عظيم الى نفس ساحة المقصلة و لكن ليخطب فى الناس عن دولة العلم المنشودة التى ستذبح الفقر قبل ان يفترسهم، و لكنه كان هو اول الضحايا فبعد ان أتم العمدة مراده من مغازلة الشعب بالوهم الكبير و نجح فى السيطرة على أراضى الفلاحين بحجة تأميمها و استغلال ريعها لإكمال المشروع العلمى، اكتشف ان العالم كافر !! لابد ان يُعدم و يُنفى ذكره من الوجود، و بهذا هان العالم على الناس فقد نهبت أراضيهم بزعم العلم و قد تحملوا، و لكنهم لن يتحملوا كفراً آخر فوق كفر الجوع.
وصل الكافر المتوضئ الى المقصلة ليلقى عذابه، و لكنه كان سارح فى الوجوه "اين تلميذى السادس؟ " فإن مات فكره فهو باقٍ فى ستة عقول ربما تنجح فيما فشل فيه، و ظن أغلب الظن انه لم يستطع حضور مثل هذا اليوم، فهذا التلميذ بالرغم من قوته البدنية المهابة إلا انه رقيق المشاعر كعصفور يغرد شجناً، و فجأة يتمثل التلميذ القوى امام العيون فى مشهد عجيب ليقوم بدور الفاعل و الراقص الوحيد على مسرح الإعدام، فلم يجد العمدة اقوى منه ليعدم سيده العالم، نظر العالم بحسرة فى عين تلميذه و هو يوارى منه نالنظرات.. و هو يعد عدة الموت، و دار الحوار الصامت الذى تسمع صوته العيون
- لماذا فعلت هذا يا بنى؟
- سامحنى سيدى فقد كان جوعى و عوزى أكفر من الكفرذاته الذى نعتوك به.
- ارتاح يا بنى لن أشق عليك او على نفسى ...فسأفعلها وحدى.
و قبل أن يضع التلميذ رأس العالم على المقصلة، إذا بالعالم ينفلت و ينساب من بين الأيدى و يتوقف قلبه فى هدوء عن كفاح كفر البطون و جهل القلوب و صمت العقول، فيقع على الأرض فى خشوع ناطقاً الشهادتين.

2 comments:

  1. الفكرة هايلة و استخدام المفاجأة حلو اوي انا حبيتها

    ReplyDelete