Saturday 11 August 2012

اغلى 10 حروف فى العالم

يعتبر نفسه اوفر حظاً من زوجته التى تعمل فى التأمينات, فهو موظف بمكتب العمل, و بما انه ليس هناك الكثير من فرص العمل فمن الممكن ان يجلس فى مكتبه لأسبوع او اكثر بلا عمل فما اجمله من لا عمل و له أجر ! عادةً كان يستمتع بوقته فى مكتبه (الذى لا يوجد به غير مكتبه و شاشاة كمبيوتر و مروحة فى حالة جيدة) بسماع اغانى او مشاهدة أفلام, فالوقت طويل و الفراغ قاتل و لا يوجد الكثير من المواطنين فى مكتب العمل, لا بأس من تأتى زميلة بعد ان تطمئن على جمالها فى المرآة طبعاً, تشاكسه احياناً, تعطيه ساندويتش فول إن كانت راضية عنه فى هذا اليوم, او تشكو gه زوجها و عدم تقديره لجمالها الخارجى و الداخلى, لا شئ اكثر من الثرثرة, و لكن فى هذا اليوم تحولت الثرثرة الى نميمة , و لكن ليست معه بل عليه مع زميلة اخرى, فمازال وجهه شاحباً و مشغول البال , و فيما بيدو ان مرض طفلته الصغيرة قد زاد, و لم تجرؤ زميلته او اى احد فى المكتب من الإقتراب منه, فهو سريع الغضب و بلا سجائر فى نهار رمضان و هذه وحدها كارثة "ابعدو عنى دلوقتى, انا فى رمضان يعنى لا قهوة و لا سجاير, صدق اللى قال الدنيا سيجارة و كاس" فلا داعى لا سماع هذا الإنفعال المعتاد منه فالصمت افضل و النميمة احب, و بينما هو فى واديه لم يلتفت الى نميمة الزملاء او حتى الى إنقطاع التيار الكهربائى فى المكتب كل ساعة تقريباً, كل غضبه السابق تحول الى نظرات تائهة عليها سؤالاً واحداً فقط "إلى متى؟"
خرج من مكتب العمل حيث ال "لاعمل" و زج بنفسه فى ميكروباص يصُم الآذان بسماعات المقعد الخلفى التى لها وظيفة واحد, و هى ان تركُل  ركاب المقعد الخلفى لا تسمعهم شيئاً, و رغم كل هذا الإستفزاز الذى إعتاد الشِجار حوله مع السائق "يا اخى وطى الصوت شوية ودنى هتتخرم و جسمى بيتنفض من صوت الزفت اللى انت مشغله!!", و لكنه فى هذه المرة اوكل التأديب لمُسِن يجلس بجواره يرتل القرآن, حاول المسن ان يستغفر الله و يستعيذ به من شيطان الغضب إلا ان الزجاجة ذات السائل الاخضر الفسفورى الذى يلمع و يتراقص فى ضوء شمس العصارى متجهاً الى فم السائق الفاطر فى نهار رمضان, استفز المسن الناسك ايما إستفزاز و صاح فى السائق "إسفوخس على اللى رباك يا فاجر يا فاطر", و بعد تبادل السباب و العبارات النابية إضطر السائق لإيقاف السيارة و تنزيل الركاب و الإنفراد بالمسن الناسك الذى اسماه السائق "توت عنخ" نظراً لتقدمه فى العمر, و دبت فى الشارع المشاجرة الرمضانية الشهيرة التى تصطف لمشاهدتها ربات البيوت فى النوافذ, و استغل احد المارة هذا الموقف و تسلل الى الميكروباص و سرق لمبة صالون الميكروباص ! , لا اعلم بماذا سيستفيد من هذه اللمبة تحديداً ؟ و لكنى اعتقد انه مبدأ لمبة صالون فى اليد خير من فوانيس العربية, إستطاع اللص الرمضانى (الذى لا يفوت فريسة ) الفرار بسرقته الحمقاء مما زاد الطين بلة بين السائق و توت عنخ  "هتدفع تمانها ...هتدفع تمانها يا بوز الاخص", رغم كل هذا الجو المحبب الى نفس موظف مكتب اللا عمل إلا انه لم يتفاعل مع غيره من مركبات النقص فى المجتمع داخل هذه المشجارة التى قاد و اشترك فى اكثر و اضخم منها فى السابق, و اكتفى فقط بحق المشاهدة و لكن بلا إستمتاع, كغيره من المواطنين الشرفاء الذين شاهدوا و استمتعوا.
القاهرة عام 1936 م
استكمل مشواره الى منزله ماشياً فالتوفير ضرورة من اجل علاج الطفلة التى ذهب بها الى جميع نواب المستشفيات الحكومية فى منطقته, و اخذت جميع المضادات الحيوية, و لا نتيجة, الاحمرار و الورم فى جلد بطنها الرقيق النحيف كما هو.
 اليوم العاشر من الشهر و لم يبق فى جيبه سوى 250 جنيه, فالمضادات الحيوية التى اخذتها الصغيرة "توتا" إلتهمت راتبه الشهرى قبل ان يبدأ, و لكنه صبر نفسه ان مرتب زوجته مازال قيد الخدمة لم ينقص منه شئ.
و بعد وصلة المشى المطولة التى ارغمته الظروف عليها, وصل الى العقار حيث يسكن, و صعد السبعة طوابق كاملة فالكهرباء منقطعة عن العقار و الشارع بأكمله, دخل شقته على صوت مدفع الإفطار , وجد زوجته فى إنتظاره على المائدة و لكنه لم ير اى صنف من اصناف الطعام على المائدة, فأخذ شربةً من الماء و نظر الى المائدة جيداً فوجد عليها علبة فول فقط "فين الاكل؟", و بعد ان إنتهت زوجته من الدعاء "يا رب اشفى توتا يا رب" اجابته: "اهوه...ده فول فاخر مش اى كلام"
-"اومال فين الفراخ البانيه اللى كنتى عاملاها امبارح؟ مالحقيتش تخلص يعنى"
-"سيبتها للبنت, معلش نستحمل شوية هى بتاخد مضادات حيوية."
-"هى فين توتا؟"
-"نايمة حبيبتى مهدودة من العلاج."
-"ده انا اللى مهدود انا لحد دلوقتى صارف 1000 جنيه مضادات حيوية و حقن, انا مش فاضل معايا غير 250 جنيه."
فرجعت زوجته فى مقعدها الى الوراء و تغير لون وجهها فى ثانية, فسألها "مالك؟"
-"اصلى حجزت لتوتا النهار ده عند دكتور استاذ كبير كشفه ب 150 جنيه."
-"خلاص ادفعى من مرتبك."
-"مش فاضل فيه إلا 50 جنيه."
فانفعل عليها قائلا "بردو اديتى فلوس لأمك!!"
-"و فيها ايه لما ادى فلوس لماما؟ انت ما بتحبش حماتك دى حاجة و انى اساعد ماما دى حاجة تانية, لأ دفعت المرتب على الفلوس اللى محوشينها مصاريف لمدرسة توتا."
-"بردو المدرسة اللغات؟ مالها التجريبة؟ ده انا و انتى تعليمنا اميرى."
-"يمكن تبقى احسن مننا."
-"و مادام انا مش عجبك كده اتجوزتينى ليه يا ست هانم؟ و لا البضاعة ماجابتش زبون احسن منى؟"
-"الله يكرم اصلك."
و قامت الزوجة و تركته على المائدة نادماً عما قال محاولاً إيجاد اى عذر لنفسه "هى اللى استفزتنى...على طول ماشية بدماغها....اصلى تعبان من العيشة و المصاريف فطبيعى خلقى يضيق....ايوااااااااااا هى ما دام سيرة حماتى جت فى الموضوع لازم القعدة تقلب بنكد, انا ايه اللى خلانى اتسحب من لسانى و اجيب سيرتها بس, انا اللى استاهل !!"
و فى الشارع تسير الاسرة بالطفلة الجميلة الهزيلة, و اخذ الزوج فى إبداء الإهتمام بزوجته محاولاً مصالحتها, يأخذها تحت ذراعه اثناء عبور الشارع, يرتب مقدمة شعرها بيده لتستقيم تحت حجابها, محاولات ناجحة اتت بإبتسامة رقيقة هادئة على وجه شريكة حياته و إن كانت لا تخلو من عتاب, فكانت تقول لنفسها "معلش ما انا اللى حسسته بنقصه انه مش قادر يصرف علينا كويس, بس و الله ما كان قصدى", وقفت الاسرة الصغيرة الطيبة فى إنتظار ميكروباص و عندما جاء ميكروباص من فئة الترامكو صاحت الصغيرة "بلاش يا بابا الميكروباص ده, كله حديد كده و بيترجرج و انا جسمى واجعنى."
و عندما جاء الاوتوبيس الممتلئ على اخره و مازال يحشر الراكبين حشراً, نظرت الزوجة نظرة فهمها هو سريعاً معناها "ابوس إيدك الاوتوبيس لأ", فقالت الزوجة "مفيش غير المترو"
-"انا اخر مرة ركبت مترو كانت من 4 سنين."
-"لا انا كل يوم بدخل المحطة اللى جنب الشغل اتكيف شوية لما النور يتقطع, اصل يا حبيبى المترو ده الحاجة الوحيدة فى مصر اللى النور مش بيقطع فيها."
القاهرة فى الأربعينات
و ركبت الزوجة و طفلتها عربة السيدات و ركب الزوج عربة اخرى, و بعد اول محطة اصبحت محطة المترو عبارة عن صالة للصياح و كأنها حفلة لعبدة الشيطان, ظلام و صراخ نساء و بكاء اطفال, و حركة و عنفوان رجال يحاولون كسر الابواب للخروج من هذا النفق المظلم, فإنقطاع الكهرباء وصل اخيراً لمترو الانفاق ! و خرجت الزوجة و مشت فى النفق مع باقى المشاة و هى تحاول تهدئة توتا التى تصرخ الماً من بطنها و خوفاً من الظلام و الصراخ المحيط, حتى تمكنت الزوجة من الخروج من المحطة و وقفت قليلا تبحث عن زوجها بين الجموع الغاضبة حتى رأته من بعيد فهرولت له , و اجتمعت الاسرة من جديد, و بدون اى كلام اشار الزوج لسيارة اجرة و ركبوا جميعاً فى التاكسى.
"50 جنيه يا برنس" قالها سائق التاكسى و من بعدها جلجلت شهقة ام توتا فى الشارع, و بالطبع علل السائق هذه الاجرة لشُح البنزين و الزحام و مصاريف التاكسى الابيض.......إلخ من تبريرات, فلم يجد الزوج بُداً إلا الدفع.
و صلوا إلى العيادة و دفع الزوج ثمن الكشف ليبقى فى جيبه 50 جنيه فقط, و كان يستعجب و هو بإنتظار الدخول للطبيب من إمتلاء العيادة على اخرها بالمرضى و المعظم "شكلهم تعبانين زينا مش اعنيا يعنى", جاء الدور فى الدخول الى الطبيب الاستاذ , و اطلعته الام على تشخيصات الاطباء السابقين, و لم ينطق الطبيب بكلمة و بعد إنتهاء كشفه على الطفلة الذى لم يتجاوز الدقيقة, كتب لها على مرهم و كما قال "الصيدلية اللى فى مدخل العمارة هنا بتحضره, و يا ريت ما تودوش البنت تانى مستشفيات حكومة" , غضب الزوج من حديث الطبيب و قال محدثاً نفسه "طبعاً عشان نيجى ندفع المعلوم عند امثالك, ناس مستغلة صحيح", و حاول الزوج ان يلتقط او يستطيع فراءة اسم المرهم فقال له الطبيب "لو بتعد الحروف هما 10 حروف, و الاسم الصيدلى عرفه, 3 مرات فى اليوم يا مدام لحد ما الورم يروح...بالشفا ان شاء الله."
و قبل دخول الاسرة الصيدلية, دست الزوجة ال50 جنيه المتبقية من راتبها فى يد زوجها الخائف من ثمن العلاج هذه المرة "كشفه 150 جنيه علاجه هيبقى بكام؟ , دى الحكومة دفعتنى الشئ الفولانى ده هيدفعنى كام؟؟؟..استر يا رب."
اعطى الزوج اسم المرهم للصيدلى الذى جاء به فى الحال, و وقف الرجل مثلج الاطراف يسأل "بكام؟"
-"200 جنيه بس."
و كما تعلمون ليس فى الجيب سوى 100 فقط , فقال الرجل متحرجاً "طب هو مفيش انبوبة اصغر شوية؟"
-"اصغر ايه مفيش اصغر من كده."
فأخرج الرجل ال 100 جنيه التى بقيت معه و وضعها امام الصيدلى فى منتهى الخجل, فأجابه الصيدلى: "مفيش فكة؟"
-"فكة؟"
-"ايوا انا عايز 2 جنيه بس يعنى مش لازم خمسينات, و لو مش مع حضرتك فكة خلاص مش مهم"
-"2 جنيه؟ انت مش قولت 200 جنيه؟"
-"لا يا فندم انا قولت 2 بس الظاهر ان حضرتك سمعت غلط."
فدبت السعادة فى الرجل من جديد و قال: "معلش اصلى واخد على تمن المضادات الحيوية اللى كنت بجيبها للبنت قبل ما اجى للدكتور الطيب ده."
-"مضادات حيوية؟؟ ليه دى البنت عندها حساسية جلدية بسيطة و إلتهاب هيهدا و يروح بالمرهم ده فى يومين ان شاء الله, كل سنة و انتم طيبين, رمضان كريم"

2 comments:

  1. raw3aaaaa
    chapeau
    awel marra ad5ol blog w a2ra mn 2 years w f3ln enbasat gdn
    note: elsewar bs msh fhmt 3laket-ha belmawdoo3
    regards

    ReplyDelete
  2. شكرا على التعليق الجميل :) الصور حاولت افكر الناس بس بشكل مصر زمان كان جميل اد ايه, عشان القصة فيها واقع مش جميل للآسف, اما العصفورة اللى رجلها مكسورة دى زى البنت اللى واخده علاج كتير ع الفاض من تحت راس تشخيص خاطئ

    ReplyDelete