Saturday 27 April 2013

الخروج عن المعبد


قالتها أجاثا كريستى, و اتخذها هو عنواناً لحياته : "إذا عجزت النفس لجأت إلى الخرافة", و قد شمل هذا الدستور عمله أيضاً, فقد كان يسلط الضوء من خلال عمله كصحفى على الخرافات التى يقدسها الناس, ليس فقط كقراءة الفنجان أو الكف, و لكن الدين أيضاً, فقد كان يعتبر أن الدين هو أكبر خرافة صنعها الإنسان لسيطر على ضعاف النفوس , حربه للخرافه أكسبته شهرة واسعة و إهتمام إعلامى كبير, محلى و دولى , فهو صاحب فكر و قضية , يكذب الخرافة بالمنطق و الأدلة و القرائن, و كان دائماُ يلقى اللوم على كل من حكم العالم بفكر سياسى أساسه عقيدة دينية, فالدول الدينية هدفها التخريب و الدمار, لإنها دول قائمة على الخرافة و الخرافة هى هاوية العقل, و بالطبع لم ير نفسه ضعيفاً قط حتى جاء ذلك اليوم.
الحقيبة السوداء التى تحتوى على أهم ملفات عمله و حملاته الصحفية, بالإضافة إلى اللاب توب الخاص الذى يدون عليه جميع أفكاره و مقالاته, غير موجودة بالمنزل, و العجيب أن كاميرا المراقبة بالمنزل لم تسجل أى مشهد لسرقة الحقيبة, كانت الحقيبة لا تحتوى فقط على أوراق عمل نزيهة, و لكن كانت تحتوى على أعز ما يملك المجرم من "ذلل" لكل الضحايا الذين يبتزهم للسكوت عنهم صحفياً و إعلامياً, فقد وقع فى ورطة كبيرة, فإن أبلغ الشرطة سوف يتسرب الخبر لكل من له ذلة داخل الشنطة و هذا يعنى سقوطه فى يد خصومه, و ما زاده تأكد أن الحقيبة لم يسرقها أحد, أنه مازال يتقاضى المال بشكل منتظم من أصحاب الذلل المفقودة مقابل سكوته على الأدلة الفاضحة, فالحقيبة لم تقع فى يد أحد, الأمر خرج عن سيطرة عقله فى هذه المرة, أين الحقيبة؟ ظل فى قلق و حيرة, حتى أن وصل إلى شئ من المنطق يريح به عقله, فلابد أنه نسيها فى مكان ما, و لكن كيف و هو لا يخرج بها من المنزل ؟ الأسئلة زادت حتى ضعفت النفس التى طالما أوهم نفسه بقوتها المطلقة, مر شهر فى قلق, لا نوم و لا تركيز فى يقظة حتى قرر أن يدق باب "حجازى".
جلس الرجلان على الطاولة المستطيلة, على وجه أحدهما سعادة عدم التصديق لما هو فيه الآن, و على وجه الآخر تعاسة عدم التصديق لما هو فيه الآن, الصحفى فى زيارة عمل عند المنوم المغناطيسى الذى طالما حاربه فى أكل عيشه و وصفه بأنه تاجر لخارفة الناس لها عابدون, جرى الإتفاق على تنويم الصحفى مغناطيسياً لكى يعود بالذاكرة إلى المكان الذى فقد فيه حقيبة الأسرار, و بدأ المنونم "حجازى" فى عملية الإسترخاء, و بدأ فى التسجيل للصحفى, و بدأ الصحفى فعلاً بالعودة إلى الماضى و لكن فى كل ما عاد إليه من الماضى القريب, لم يفصح بشئ واحد عن مكان الحقيبة غير أنها فى شقته, و أن ما فيها هو سبب سعده فى هذه الدنيا و فقدانها يساوى نهايته, فطلب منه حجازى أن يعود بالذاكرة أكثر, لعله يأتى بخبر عن الحقيبة حتى عاد..عاد..عاد.

"وفيها إيه لما اكدب ع الناس؟ ما تجار الدين بيكدبو عليهم و هما فرحانيين بالكدبة, أنا عارف إن فى دين و فى رب, بس الإيمان بيه معناه إنى هاتحرم من حرية العمل, أنا عايز أعمل كل حاجة تيجى على بالى, مش عايز حساب, القرآن نفسه إتكلم عن الكفر من غير سبب, بس إحنا عايشين فى زمن ربنا كرمنا فيه بتجار الدين عشان نعلق عليهم شماعة حب الدنيا و الحرية, أنا بنفر من الدين عشان هما كرهونى فيه, بيطبقوه غلط يبقى هما السبب, كلام جميل, بس الحقيقة إن أنا مختلف..مختلف ..مختلف...أنا ....."

- حجازى: إرجع للماضى اكتر.

"أين رفاقى؟ كيف يرضون على أنفسهم الحياة فى هذا المجتمع الكافر؟ كيف يكذبون رسالة الصليب المباركة؟ لقد تركنى الجميع بسبب الصليب الذى لن أتركه ابداً, فرسالة محبة عيسى هى وسيلتى فى دنيا الظلام التى ستصل بى إلى شاطئ النور بجوار المسيح بن العذراء المقدسة, لقد خرجت عن معبد شهوات الأصدقاء و سأمكث هنا فى كهفى أعبد ربى, خرجت عن معبد الكفر إلى معبد الإيمان, فأنا اختلف عنهم..أختلف...أنا...."

و قد تحول وجه المنوم المغناطيسى إلى وجه عالم أثرى وجد شيئاً ثميناُ بعد بحث طويل
- ارجع كمان..كمان...قد ما تقدر إرجع

"لن انتظر أن يساندنى أحد فيما أصبو إليه, فآتون كما يبعث فينا الحياة كل صباح سيبعث فى بدنى القوة و فى عقلى النباهة, سأترك لهم معبد آمون, و سأذهب إلى معبدى أنا و زوجتى, كم تمنيت أن يحمل ابنى إرث عبادة آتون, الإله القوى الواحد, و لكن للآسف أفكاره كفلاحين منف, لم يعرفوا فى الحياة سوى آمون, لن يتحرك ذهنهم تجاه فكرى, التوحيد ...العقيدة...النور, هل أنا مختلف؟"

فاق الصحفى من النوم, ثم سأل حجازى: "انا نمت قد إيه؟ انت مالك متنح لى كده ليه؟ لاقيت الشنطة؟ ما تنطق."
- حجازى: "إخناتون..إخناتون."
-"انت شكلك انت اللى نمت."

ثم قام حجازى بإسماع الصحفى التسجيل, و عندما سمع الجزء الأول الذى يشرح فيه حقيقة إلحاده صاح" ده كدب ..كدب..كدب", أما عندما سمع دفاعه عن عقيدته المسيحية قال: "أنا فعلاً من أصول مسيحية بس ده تخريف..تخريف", وكانت الصدمة عندما علم انه كان"إخناتون" فى عصر الفراعنة, "مش ممكن هو أنا كام واحد."
- حجازى: "انت كلهم, فى منوم مغناطيسى عالمى قدر يوصل بأحد الحالات لأصله القديم و العصر اللى كان عايش فيه فى زمن فات, و أكد انه من سكان قارة أطلنطا المفقودة. الراجل ما نالش شهرة لأن أطلنطا مالهاش وجود ففى ناس ما صدقتوش, أما أنا فهاخد الشهرة دى لأن مصر موجودة و معبد آتون موجود, و انت إخناتون."

أصبح الصحفى  على حافة الجنون, فكل ما فى التسجيل حقيقى, حتى روايته عن فكره الإلحادى هى فعلاً وجهة نظره, أصله المسيحى كل شئ حقيقى, فحتماً انه كان إخناتون فى يوم من الآيام, و أن هناك الكثير من الأشياء ليست خرافات كما كان يعتقد, و لكن كيف يترك للمنوم إعترافاته التى ستوقع به فى بئر من الهلاك, إلحاده السافر, الحقيبة التى ذكر أنها مفقودة و الفضائح التى بها, كل شئ خطير, و هذا المنوم المجنون الذى يريد الشهرة بأى ثمن, و بسرعة خاطفة أخذ الصحفى سى دى التسجيل, و لكن حجازى أمسك به, و تصارعا حتى كاد الصحفى أن يموت بين يدى, فإنها فرصة عمره فى المجد و التاريخ, و فجأة تركه حجازى و أعطى له السى دى , و بالرغم من أن الفرصة سنحت للصحفى أن يهرب بسهولة, إلا أن ما بمهنته من فضول جعله يسأل حجازى "إيه اللى غيرك فجأة؟"
-"الجنى اللى مخاويه طلب منى اسيبك و إلا هيحرقنى."
-"هتقولى إخناتون بقى و لعنة الفراعنة, مش كده؟"
-"لا, الجنى قال انك بتخدمهم من غير مقابل, اما انا بخدمهم و هما بيخدمونى, انت بتخدم مصالحهم اكتر منى, لازم انا و هما نعمل لك اللى انت عايزه."

No comments:

Post a Comment