Saturday 15 September 2012

ليلة سقوط الزمالك

جزيرة الزمالك
حكاية من الواقع و لكن فى منتهى الخيال فى رصد القاهرة 2012
إهداء خاص لصاحب الفكرة التى ابهرتنى صديقى المهندس احمد عبد الحميد

ليست السادسة صباحاً ليفيق من نومه, و لكنها التاسعة مساءاً, الوقت ليس مبكراً بل متأخراً جداً, فقد سبقه الجميع  الى الحافلة..الحافلة التى ستنقلهم من الزمالك الى القاهرة الجديدة, لا يعلم هو ما حال القاهرة الجديدة؟ اهى افضل من الزمالك كما يدعى البعض؟ ام هى اسوأ كما يظن هو؟ و لكنها اصبحت الملاذ الوحيد, فالزمالك يسقط !
حمل فى يده البطيخة التى عاد بها من اخر آيام عمله قبل الكارثة التى حلت بالزمالك , و التى تسببت فى إنقطاعه عن العمل , مشى بكل بطء و شرود يتأمل الشوارع الفسيحة الخاوية من جنس البشر, جلس على الرصيف و احتضن البطيخة  "المقدسة", و قبَل سيجارته الاولى و الاخيرة, لم يكن بمُدَخِن و لكن ثمة شعور بالرغبة فى الإختفاء من هذه الدنيا التى لا يعرفها.. دفعه الى السيجارة, نظر و مد البصر ليس الى الامام (و إن كان فعلاً ينظر الى الامام) بل الى الخلف, يوم ان تزوج فى شقة والديه بالزمالك التى شب و شاب فيها, نظر الى العمارات و الفنادق و تذكر الاشجار و الحدائق التى اجتثت من فوق الارض, من اجل حجارة البناء, انه العمر الذى قضاه فى حسرة على الجمال الغائب و الفضيلة الضائعة على يد فئة لا يعلم من اين جاءت؟ ليسوا من اولاد الزمالك و لكن كان يراهم كل يوم يلعبون الكرة و يقطعون الطريق على المارة بلعبهم تارة و بهزلهم تارة و بشجارهم مرات و مرات.
كان السؤال: اهؤلاء بدلاً من عساكر الدرك؟ عَهِدهم يحفظون الامن منذ ان كان صبياً, و اختفوا فى طفولة إبنه و حل هؤلاء الفتية كوبال على المنطقة الراقية الهادئة فى صبا إبنه, واصل السير من جديد حتى وصل الى الابنية المهدمة, إنها المنطقة التى هدمها شباب الحى من عدة اشهر, كان يتمنى منذ زمن بعيد ان تنهدم تلك المبانى, فإن كانت الفنادق و العمارات دمرت الحدائق, فهذه المبانى حجبت الشمس و الهواء عن اهل الجزيرة, و بُنيت مكان المدارس و المستشفيات, كما ضيقت الشوارع و خنقت المارة, هذه المنطقة المنكوبة مازالت منكوبة ! فالمنطقة الآن اصبحت خالية تماماً و موقعها ممتاز على ضفاف نهر الحضارة نيل مصر, و التهديد من الطامعين فى الارض و الحضارة الآن فى ليلته الاخيرة, و فى الصباح الهجوم على الزمالك ! المدن الشقيقة الاخرى لم تستجب لإستغاثة اهل الجزيرة, فمنهم من يتعرض للتهديد و منهم من يفضل المشاهدة من بعيد...فالتهديد شديد اللهجة..تهديد بالفتك و النسف لأى مخلوق على الجزيرة, فالجزيرة ليست لسكان لا يعلمون قيمتها!
برج الجزيرة
وصل الى نقطة التجمع لإنتظار الحافلة, كان يتوقع ان يسمع من زوجته عبارتها التى طالما قالتها له فى إشتياق "انت اتأخرت ليه يا احمد؟", و لكنه وجدها خائفة شاحب لونها تمسك مصحفها بكل قوة و تقف خلف جماعة يقودها شيخ المسجد, لا تعلم الى اين ستذهب معهم؟ و لكن تصبرها القوة التى تحمل بها كتابها, ثم ينظر الى ابنه الاكبر الذى يقف مع رفاقه الذين هدوا ابنية الظلام و لم يبنوا مكانها شيئاً ! و لم يزرعوا وروداً كالتى قُتلت ! و تركوها كما اطلقوا عليها "فَسَحة"
وقف متشبثاً ببطيخته المقدسة و صرخ فى الجميع امام الحافلة قائلاً:
-"مين صاحب الاوتوبيس ده؟؟؟ ردوا عليا مين صاحب الاوتوبيس ده؟؟؟ الدنيا دى ليها صاحب...و دنيتكم دى ليها صاحب و الاوتوبيس ده ليه صاحب."
و جاء رجل ملثم من خلف "احمد", و وقف امام الجميع بجواره قائلاً:
-"صحيح احنا اللى جايبين الاوتوبيس بس انتو اصحاب الاوتوبيس, انتو الشعب العظيم اللى هديتوا ابراج الظلام و عملتوا الفسحة,  بس لازم تدفعوا تمن النجاة..تمن الحياة الجديدة..تمن القاهرة الجديدة..تمن الشرق الاوسط الجديد."
و تحرك الرجل امام "احمد" و ظهر سلاحه الابيض من وراء ظهره لامعاً كجلد ثعبان فضى فى ليل كاحل, و استطرد الرجل قائلاً:
-"اللى هيركب الاوتوبيس ده يا سارق يا مسروق ! يعنى يا تسرق اللى جنبك يا تسيبو يسرقك, دى شروطنا و اللى موافق عليها يطلع الاوتوبيس, و على فكرة السرقة مالهاش حدود اسرق اى حاجة من اى حد حتى لو كانت عينه !"
الكل حَذِر, الكل مُترقِب, إنها لحظة ما قبل التخوين, الكل ينظر الى جماعته التى هو بينها فى جزع و ينظر الى الجماعات الاخرى بتحدٍ و وعيد, مهلاً ان الحرب لم تبدأ بعد, و لكن التخوين دائماً هو فتيل شرارة الحرب الاولى.
و يهتف "احمد": "دقت ساعة العمل..دقت ساعة العمل ".
نظر الشيخ الى جماعاته و صاح فيهم
راية الزمالك
-"اصعدوا فإن الضرورات تبيح المحذورات."
فصاح احمد:
-"مش قولت يا شيخ انك هتبنى جامع و جامعة فى الفسحة؟ اديك اول واحد بعت الفسحة"
و ركب الشيخ و اخذ معه عدد ليس بقليل, و من ورائه ركب فريق كرة قدم حى الزمالك, فصاح فيهم احمد:
-"اصلكو لو عارفين قيمتها, و عارفين قيمة فنلة الكورة اللى انتو لابسنها ماكونتوش سبتوها, ماكونتوش تبقو دايما مغلوبين".
فصعد من خلفهم هؤلاء الذين حلوا محل عساكر الدرك, فصاح الرجل:
-"يالا يا صراصير و قال عاملين شبيحة بقالكو 30 سنة."
واخيراً صعد ابنه و شباب "الفسحة" الذين هدوا ابنية الظلام, فنظر ابنه نظرة حسرة و قال:
"وانا مين هيشيل البطيخة من بعدى يا ابنى؟"
و صعد الجميع و هم يتحسسون اسلحتهم و تركوا "احمد" محتضناً بطيخته المقدسة مردداً
"من انتم؟ من انتم؟ من انتم؟"
و الجميع الى مصير لا يعلمه إلا الله !


- صدر من هذ هذه القصص "حكايات من الواقع و لكن فى منتهى الخيال":
تعبانون , و صواريخ ع المريخ - انظر ارشيف المدونة

No comments:

Post a Comment