Saturday 22 September 2012

فرح سودانى

تبدو عادية و لكنها عديدة, ليس هذا بوصف فتاة هذه القصة التى تتدفق احداثها عبر تلك السطور, و لكنه وصف القصة التى جعلتنى ابحث فيما وراء الاشياء...وراء ضحكات الاصدقاء...وراء الكلمة و الإبتسامة, فليست كل الدموع صادقة, فقلما ما تتفق الاهداف الحقيقة مع الاهداف المعلنة...فالكل يلعن و يبرر اللعنات !
مازال غريباً عنها, الإعجاب موجود و الإتفاق فى الرأى يبشر ببدايات طيبة, ربما حب ينتهى بالزواج...هكذا كانت تفكر من قبل عام من الآن, و لكن الامور الآن اخذت شكلاً اخر, فالزواج و النهاية يتصارعان و لم يطرقا باب حياتها معاً, لنرى.

فرح سودانى
 كان هو هذا الزميل الذى نقلته الشركة من فرع الخرطوم الى القاهرة بعد احداث سياسية اجبرت الشركة على تعطيل نشاطها هناك, له ذلك النوع من الوسامة الذى ينبع من الثقافة و الإختلاف, تبادلا الاحاديث العادية حول المجتمع و الدين و السياسة, و تطورت العلاقة تطوراً سريعاً, قدينها الرقيق جعله يعتقد انها تحمل نفس القدر من الافكار الليبرالية التى طالما تظاهر بها, كان يتباهى بصوره مع صديقته الكندية بملابسها القليلة, و كان لا يكره الحجاب, بل يكره الإحتشام كفكرة, لا بأس من الإختلاف مادام الرجل بعيد عن الإزدواجية كما كان يصف نفسه, و كأى فتاة فى اوائل العشر ينات, ترى كل هذا القدر من اللباقة و البراعة فى الحديث و وشرح الافكار, بالإضافة الى الثقافة الغربية التى نشأ فيها, اعجبت به إعجاباً شديداً, بل تأثرت به بالغ التأثر الذى كان قمته فى إعترافها له بحبها فى منتهى الإطمئنان فله فكر مغاير يقبل من المرأة اى شئ, و كان رده عليها مشجعاً "انا هاتجوزك" !
-"طب مش هاتيجى تخطبنى الاول؟"
-"لا, الحاجات دى بقت موضة قديمة..إحنا هانتجوز على طول."
 و اخذ يرسم معها صورة لحفل زفافهما الذى رغب فى ان يكون فى السودان, ففى السودان مراسم زواج اسطورية احبها منذ ان اقام هناك عشر سنين, فقالت له: "و انا هاجيب اهلى و صحابى السودان عشان يحضرو الفرح؟ احنا كده هندفع تذاكر سفر كتير اوى و لا هما هيدفعو لنفسهم؟ بالشكل ده ماحدش هيحضر."
فابتسم إبتسامته الدبلوماسية الهادئة و قال لها : "مش مهم اى حاجة المهم نكون مع بعض."
بالرغم من إبتسامهتا الرومانسية التى علقت بها على جملته, إلا ان شيئاً ما لم يريحها فى تفاصيل صورته فى هذا المشهد من ذاكرتها, و سرعان ما تحول عدم الإرتياح إلى قلق بعد ان سمعته و هو يهاجم بشدة الإسلاميين و نعته لهم "بالخنازير", بررت لنفسها هذا التصرف بأن للرجال الفاظ خارجة تنبعث منهم على سهوة فى غمرة الإنفعال, و هى كانت تتفق معه فى خوفها على مصر من الإسلام السياسى, اما الشك فقد لاح فى افق فكرها بعدما رأته يكتب على صفحته على الفيسبوك تأيداً وإحتراماً لمسيحى مصر, فما عاشوه من ظلم المسلمين ليس بقليل و يدعو للإحترام و التقدير, و ختم مديحته بعبارة "ولسه ياما هانشوف من الإخوان و السلفيين", لم تصدق نفسهاعندما رأت كل هذا الهجوم , حتى انها تشككت فى اسمه و اخذت تقرأ فى مفرداته الشخصية , فالاسم مسلم و فى خانة الديانة هو مسلم, كل شئ صحيح, و لكنها استنتجت انه ربما يكون ملحداً, و بدأت رحلة التفكير, أتصارحه بشكوكها؟ ام تسكت؟ ثم استقرت الى هذا الرأى "حتى لو كان ملحد فيها ايه؟"
و ذهبت الى العمل فى اليوم التالى وجدته يتوسط دائرة كبيرة من الزملاء المسيحين و الإسلاميين (اصحاب اإتجاه الإسلام السياسى) يتناقشون فيما كتب على الفيسبوك, و كان حاد اللهجة مع الإسلاميين , لين الجانب مع المسيحين, لم يقتصر الامر على ذلك , بل دخل الامر فى التشكيك فى الدين نفسه, فعندما جاء ذكر الفيلم المسئ عن الرسول عليه افضل الصلاة و التسليم قال: "انتو زعلانين اوى كده ليه؟ الناس مغلطوش فى ربنا يعنى, دول غلطو فى بنى آدم زينا !! "
و بالطبع قامت الدنيا عليه و لم تقعد و انتهى الحوار كالعادة بوصفه للإسلاميين بالتخلف و المغالاة فى التشدد باسم الدين, صحيح انها لم تكن تصلى او تصوم و لكنها احست بشئ من الغيظ عندما سمعت رأيه هذا, و تأكدت حينها انه مسيحى و ليس ملحد, لانه لم ينكر الله بل انكر الرسول, و لكن كيف تكون معه المواجهة؟
اتصلت به تدعوه لتناول الغداء معها فى مكتبها, و عندما دخل عليها تعمدت فتح فيديو من الكمبيوتر لأحد المشايخ يتحدث عن اصحاب الملل الآخرى هل يدخلون الجنة؟ و عندما رأى هذا الفيديو اصبح كالصنم امامه , اهتمام عليه صبغة من ذهول كانت حالته, كما انه قام بتعلية الصوت ليستمع جيدا فتأكدت انه مسيحى, فقالت له "انت مسيحى؟"
-"ابدا ! ايه اللى خلاكى تقولى كده؟"
-"اهتمامك بقضاياهم و عداءك للإسلاميين."
-"انا مش ملحد و بكره الإسلاميين, اما بالنسبة للمسيحين, فخديها قاعدة المصالح هى اللى بتتصالح, و غيرى الموضوع ده و خلينا نتكلم عن فرحنا فى السودان."
المعارضة ليست فعل, بل إنها تفاعل حسن و مطلوب, اما الهجوم فهو فعل يستوجب معرفة ما له من اسباب
و اخبرها ان حبه للسودان مورث له من والديه, فقد تزوجا هما ايضاً فى السودان, فلا داعى من حضور الاهل الزفاف, فالزواج رابط بين اثنين فقط! لم يرق لها الحديث بالمرة , فقامت بتغيير الموضوع و تحدثت عن سيارتها التى تعطلت بها صباحاً, فأعطاها عنوان الميكانيكى الذى يتعامل معه, فهذا الرجل صديق قديم لوالده و تربى معه فى حى شبرا قبل ان يهاجر والده إلى كندا, و اتصل به امامها و اخبره ان خطيبته ستأتى إليه ليفحص سيارتها, و بالفعل ذهبت الى الورشة و قابلت الميكانيكى العجوز و الصديق القديم و هناك سألها الرجل:
-"و فرحكم امتى بقى؟"
-"لسه ما قررناش."
-"هو حضرتك بهائية بردو؟"
-"نعم؟؟؟"
-"بهائية زى العريس."
و هناك تحول وجهها الى اللون الاصفر الشاحب, فالحقيقة صادمة, و لكنها ارتاحت لانها اكتشفت الاسرار, سر تعليقات الفيسبوك و الهجوم على الدين لا على الإسلاميين فحسب, و لكنها فى نفس الوقت ارادت ان تعرف المزيد, فأجابت على الرجل:
-"اه طبعا, ده سؤال بردو."
-"اصل حماتك طبعا انتى عارفة انها كانت مسلمة و هربت من اهلها عشان تتجوز حماكى, بعد قصة حب كبيرة خلتها تسيب الاسلام و تسيب اهلها و تروح تتجوزه لوحدها فى السودان."
-"ما انا عرفت الحكاية..."
و لم تصبر و اخرجت هاتفها المحمول من حقيبتها و ارسلت رسالة نصية الى المسلم ورقاً البهائى ديناً "لكم دينكم و لىً دين".

No comments:

Post a Comment