Saturday 9 June 2012

ممكن تكون حلوة

بلغوها فى العمل ان عليها تجديد صورتها فى بطاقة التأمين الصحى "ما يصحش يا مدام حنان يبقى عندك ٣٠ سنة و حاطة صورة الثانوية العامة فى كارنيه التأمين الصحى"، حاولت مع المدير ان تشرح له ازمتها فى التصوير فدائماً صورها بشعة و ان الله لم يخلق وجهها فوتوجونيك، طبعاً لم يقبل المدير هذا الكلام و أصر ان تأتى بصورة جديدة لها بعد يومين.
أخذت ابنها من الحضانة و ذهبت الى البيت، و كالعادة الأنبوبة فارغة و زوجها مازال ينتظر دوره فى الزحام و الطابور الطويل من اجل حفنة انبوبة، لا غداء ساخن اليوم، فالساندوتشات هى الحل، أعدت لطفلها ساندوتشات من الجبن و التونة و ندهت عليه ليأتى فالطعام صار جاهزاً، و لكن الولد لم يرد، فذهبت الى غرفته فوجدته واقفاً فوق فراشه و يحاول لصق لوحاته و رسوماته الصغيرة على الحوائط، فتصرفت كأى ام مصرية صميمة  "هاتبوظ الحيطة يا واد" انتشلت الطفل من فوق الفراش و فى يده آدوات الجريمة من لوح و مواد صمغية كفيلة بإستدعاء النقاش لدهان الحوائط من جديد، و لم تكن تلك هى المرة الأولى فكانت للفنان سوابق كثيرة من هذا النوع ، فأخذت الأم تضربه على مؤخرته الهزيلة و تفرك أذنه التى تشبه قطعة القطائف "مش قولنا مليون مرة حيطان البيت لا".
 فيجيب الطفل فى براءة و إصرار " ماليش دعوة انا عاوز اعمل معلض، الميس قالت لنا ان كل فنان لازم يكون عنده معلض، و انا عاوز اعمل معلض و اعزم صحابى و  الصول تنزل فى الجلايد".
 تركت الفنان الحالم للحظات لأن والده المطحون جاء يحمل الأنبوبة الحلم، و جلس الرجل على الانتريه الفاتح اللون و هو يتصبب عرقا بعد ان اسقط حمل الانبوبة من على كاهله.
-" يالهوى يا مصطفى انت قاعد ع الانتريه بعرقك و قرفك ده!! الانتريه فاتح يا اخويا مش هيستحمل عرق سياتك".
 فيشاركها الرجل موسم الخناق الزوجى "ارحمينى يا حنان، انا هلاقيها منك و لا من مديرى و لا من مشوار الانبوبة...انا بتهان يا حنان".
 و طبعاً واصلت حنان تطبيق شروط حصولها على جنسية زوجة مصرية صميمة و قالت" انت و ابنك بتعاملونى زى ما اكون خدامة عندكو، طب دى الخدامة بتاخد اجرة ، فين اجرتى، طب و الله انا سايبه لكم البيت و ماشية" .
 اخذت حقيبتها و خرجت و جدت المصعد لا يعمل، فاضطرت ان تنزل السلم على قدميها، و فى الطابق الذى يلى طابقها، وجدت ستوديو تصوير عليه لافتة "ستوديو كراكيب" نظرت الى نفسها، فوجدت انها ترتدى نفس ملابس الاسبوع الماضى، تنورة مشجرة بكل انواع الزهور، و قميصاً واسعا لونه باهت من كثرة الإستعمال، و وجه لامع من عرق المواصلات و حر الصيف، و مع ذلك قررت ان تخوض تجربة التصوير من منطلق "ان الصورة كده كده بتطلع وحشة"، فدخلت الشقة و لكنها لم تر احدا و الإضاءة خافتة و الشبابيك مغلقة، فتجولت قليلا لترى على مكتب امامها جمجمة و عظام فصرخت صرخة كفيلة ان تبعث هذه الجمجمة من مرقدها,  فخرجت لها شابة فى العشرين من داخل الشقة "فى ايه يا فندم؟" فأشارت حنان الى الجمجمة و العظام , فضحكت الفتاة و اخبرتها انها كانت تدرس فى كلية الطب و هذه اشياء كانت تذاكر عليها, طلبت منها حنان صورة, فقالت لها الفتاة "طب تعالى خشى معايا جوة و شوفى تحبى تتصورى فين" فدخلت معها حنان, و وجدت ان الشقة مقسمة لغرف, كل غرفة تحتوى على آدوات متعددة و حوائط بألوان مختلفة, فدخلت الغرفة الاولى و وجدت حائط كبير عليه لوح لطفل صغير كالتى يرسمها ابنها, فقالت الفتاة "دى لوحى و رسوماتى و انا صغيرة انا اللى رسماها" فابتسمت حنان ابتسامة خفيفة لانها تذكرت لوحات طفلها و شقاوته التى ان كرهتها احيانا تحبها دائما, و ذهبت الى غرفة آخرى و وجدت كنبة حمراء اللون على شكل شفاه, و كأنثى طبيعية جلست حنان على الكنبة دون ان تتكلم حتى سقطت هى و الكنبة على الارض, فاعتذرت الفتاة و قالت "لا مؤخزة اصل الرجل الشمال مكسورة و اللى عايز يتصور عليها بيقعد على الناحية السليمة ناحية الرجل اليمين", و  "ما لقتيش الغير المكسورة دى تصورى عليها الناس؟", فأجابت الفتاة "اصل ماما عندها كوافير و كانت الكنبة دى فيه و اتكسرت فاخدتها عشان مش معايا فلوس ابتدى و افرش الستوديو كويس",وجدت حنان فى نفس الغرفة صورة بالابيض و الاسود لشابة فى الاربيعينات و سألت "الله مين دى؟", "دى صورة جدتى الله يرحمها",  دخلت حنان الغرفة الاخيرة و وجدت جيتار فسعدت جدا و امسكته و قالت "الله كان نفسى امسك جيتار من زمان" و طلبت من الفتاة ان تأخذ صورة بالجيتار لكنها انتبهت فجأة ان الجيتار اوتاره مقطوعة من المنتصف "طب ازاى هاتصور بيه و اوتاره مقطعة كده؟", فترد الفتاة بهدوء "عادى انتى امسكيه و اتصورى و هاحط وشك مكان الاوتار المقطوعة بالفوتوشوب", فتسأل حنان"ده كان بتاع مامتك بردو؟", "لا ده كان بتاعى و والدى كان عنده محل كشرى كان فيه واحد شغال معاه فيه اسمه حوكشة كان كل شوية يطلب منى الجيتار يلعب بيه شوية لحد ما اقطع الاوتار و بقى كراكيب",  فتضحك حنان لدرجة البكاء و تسأل "هو فى حاجة سليمة هنا؟", "الصراحة لا و الستوديو اسمه كراكيب عشان كله كراكيب, فشلت فى الطب و قررت اعمل حاجة بحبها, ممكن الفشل يكون بداية السعادة, و انا الحمد لله دلوقتى مبسوطة". فتقرر حنان ان تأخذ صورة فى كل حجرة, حتى الجمجمة احتضنتها فى صورة ثم قالت "انا اصلا  كنت عايزة صورة عادية خلفية بيضة , بس خايفة تطلع وحشة عشان مش عاملة مكياج", فترد المصورة الماهرة "انتى مش انبسطى بجد من الصور اللى اخدناهم دلوقتى", "اه جدا",  يبقى الصورة اكيد هتطلع حلوة
عادت حنان سعيدة الى منزلها فذكريات الفتاة المصورة اسعدتها و اشعرتها ان السعادة لا تحتاج الكثير لنحصل عليها, فربما كراكيب تشعرنا بالسعادة
قررت حنان ان تقيم معرض لإبنها كما طلب, و بأقل التكاليف و ليس على حوائط المنزل كما ارادت هى, فكان الحمام ذو الجدران السيراميكية انسب مكان للمعرض فاللصق لن يخدش جمال السيراميك او الحمام, و ارتدى الطفل بدلة الافراح و دعى اصدقاء الصف للمعرض, و جاءت مصورة ستوديو كراكيب لإلتقاط صور المعرض, و جاءت بصديقة لها صحفية فى مجلة اطفال تصدر عن قصر ثقافة  المنطقة التى يعيشون فيها, و سعد الطفل بمعرضه الاول الذى اطلق عليه "حرف ال ر" فهو لا يستطيع نطق الراء و رسم لها صورة جميلة و اطلق على المعرض اسم هذه الصورة, بينما سعدت حنان عندما رأت اول صورة حلوة لها بدون تجميل او حتى غسيل وجه, فالسعادة الناتجة من صغائر الاشياء اكثر رونقا من التكاليف
و لكن حدث ما لم تحسب له حنان اى حساب, اراد احد الاطفال دخول الحمام, و الحمام هو مكان المعرض, و التواليت مغطى بالزهور الآن :)))  فكان الحل هو ان تطلب من المصورة دخول حمام الستوديو فترد الفتاة
اه اوى اوى بس هو التواليت من غير شطافة اصل خالى كان عنده محل آدوات صحية و لما فتحت الستوديو ادانى تواليت عنده من الكراكيب, بس تعالوا هنتصرف ان شاء الله

2 comments: