Friday 8 June 2012

موسم العنب

صامت دائما لدرجة ان الجميع يظنه تائها، ربما فى صمت البعض حكمة و فى صمت آخرين رفض، و فى صمت الاكثر إستسلام ، فما هو صمتك؟ احيانا يختلط الصمت بالحزن و الشجن خاصة ان كان فى ملامح الوجه شئ من التقسيمات الرومانسية حتى ان لم يمن الله عليها بالجمال، ففى اللوح و الصور التى تجسد الفقر تجسيدا فى وجوه ابنائه رومانسية لا يشعر بها الا دونجوان بالفطرة لا بالإكتساب.
لى ابنة عم جميلة و ثرية، والدى يدير لها اعمالها و حياتها، احبت شابا طيب الاصل و لم يقبل ان يزوجها له والدى، فهو يرى ان الشاب طامعا فى اشجار العنب التى ورثتها الفتاة، حاولت مع والدى مرارا ان يوافق و يبارك الزواج الا انه رفض لنفس السبب. كان لابى عمال فى حدائق العنب يقطفون و يسلمون المحصول للتاجر، ضجروا من تقطير ابى عليهم فالمحصول كبير و الراتب هزيل، ثاروا عليه، و هددوه بحرق المحصول، لم يخف ابى من هذا التهديد بل خاف من امتناع العمال عن العمل فجميع الفلاحين فى قريتنا و القرى المجاورة يعلمون ظلم ابى للكبير قبل الصغير، فلا يرضى احد العمل عنده و يضطر التجار للعمل معه، كان ابى يجنى المحصول صيفا و يبيعه فى شهر سبتمبر " عشان يا ابنى التاجر من دول يجى و يشترى العنب بالسعر اللى انا عايزه و يبقى واقف يلم الحبايه من على الارض" ، ساندت الفلاحين و العمال فى اضرابهم، وطلبت من عريس ابنة عمى ان يأتى و يضم صوته لصوت العمال فكفتهم لن تكون هذه المرة خاسرة، رفض العريس، و لكن عندما علم ان ابى بدأ فى زيادة الاجور شيئا بسيطا، جاء و وقف معنا حتى استجاب ابى لجميع
المطالب و منها خطوبة ابنة عمى على هذا الشاب.
عمت النشوى محيطى الصغير، فالعمال فى انتظار الاجور الجديدة و العريس فى انتظار اتمام الزواج، كان مطلبى هو الاول فى جدول التنفيذ المقترح، و هو بيع العنب فى موسمه، ماطلنى ابى و ماطل الجميع، حتى العريس الذى كان يريد العجلة بالزواج ماطله ابى، فجمعت الجميع حولى ثانية و وقفنا امام ابى كالوقفة الاولى، اين المطالب؟ اين الإستجابة؟ حتى وجدت نفسى يوما ما اقف وحيدا فخطيب ابنة عمى وجدته يقنع الجميع " الاجور يا جماعة هتزيد لما يعدى موسم العنب، عشان التاجر من دول يلم الحبايه من على الارض لم عشان هيدفع دم قلبه فى المحصول، هو عنبنا فيه زيه؟ و اجوركم ان شاء الله هتزيد انا حلفت الحاج على المصحف ، ادونى ثقتكم المرة دى."  كما عين والدى رئيسا للعمال و الفلاحين اختاروه و انتخبوه بنفسهم ليشرف على العمل و العمل على تحقيق المطالب، حتى هذا الرجل رقضته رفضا لانه هو الوحيد الذى زاد اجره من اول يوم دونا عن الجميع، فتملك الشك نفسى، فصارحت الجميع بمخاوفى و كان الرد صادما "انت دايما مش عاجبك حاجة؟" .  تركت القرية كلها فالامل مفقود و جلست هنا صامت و لكنى سعيد، فالحرب لا تستحق مع عقول عليها اقفالها ! و جلست هنا اراقب النجوم فى المساء و انتظرها فى الصباح حتى صارت النجوم اقرب لى منى جنسى البشرى، بديعة النجوم فى سماء الصحراء لا شك فى هذا.

 حتى زارنى خطيب ابنة عمى فى يوم ما، لم افاجأ بأنه لم يصعد لمرتبة زوج كما وعده ابى بعد بيع محصول العنب فى دون الموسم، و لم افاجأ ايضا ان والدى اقال زعيم العمال السابق و جاء بآخر منتخب ايضا، و اراد الرجل ان اعود الى القرية لاقف امام والدى معهم من جديد، فقولت له انى سأعود الى القرية فى موسم العنب الذى فيه سأصير من جنس النجوم، او ستصير النجوم اناسا ، او ربما يباع فيه العنب، انا هنا فى انتظار موسم العنب. فأحيانا تكون نجوم فى السماء اقرب إلينا من عنب معلق على اشجار

No comments:

Post a Comment