Wednesday 27 March 2013

"لولا" بين "سيلفا" و الملامة

هذا اليوم الذى جلست فيه مع مجموعة من الزملاء البرازيليين جمعتنى بهم ظروف عمل حالكة شديدة السواد فى مدينة النور باريس التى لا تخلو من الفقراء و المتشردين , و شحاتين الطريقة المصرية من نوع 7 يورو اركب بيهم المترو, فوجدت بين البرازيليين ما بين "الصعايدة" و أهل كايرو, فأهل الجنوب يكرهون أهل الشمال و ينعتوهم بأبشع النعوت و الصفات, أما أهل الشمال فكانوا أكثر جرأة فى إستخدام ألفاظ خارجة تحقر من شأن الجنوب, فمثلاً اهل الشمال لديهم حفلات و كرنفالات ليست للرقص فقط, بل تنتشر بها الجرائم من سرقة و تحرش جنسى و قتل, لهذا يكرههم أهل الجنوب المحافظ, و كان السؤال فى رأسى حينها "هو دايماً كده الجنوب محافظ؟ ده مش عندنا إحنا بس يعنى؟", فعادات الجنوب المحافظ لا ترضى تحرر أهل الشمال, و من أعجب ما رأيت هذه  التى فى الصورة "اللى مش عارفة بصراحة اسميها إيه" غير انها وسيلة لشرب نوع من أنواع الشاى البرازيلى, يشرب فى كوب يشبه "الشيشة", فانا لا أتخيل نفسى فى يوم من الآيام  اقوم بكل هذه الخطوات و احمل كوبى فى حقيبة اللاب توب عشان كوباية شاى يعنى, و لكن لخصوصية العادات نوع مختلف من أنواع السلطة والوقار .
شاى على الطريقة البرازيلية
المهم..تصرفت كأى كائن بشرى إذا إلتقى بمصرى تحدث عن الهرم, و إذا إلتقى بهندى تحدث عن أغنية الفنان هشام عباس "نارى نارين" التى بالصدفة البحتة عرفت انها أغنية شهيرة فى الهند, و لأنى لا أتابع كرة القدم و لا أفهم فيها سوى أنى ورثت نصرة الزمالك ظالماً أو مظلوماً من أخى الكبير, فتحدثت مع أصدقاء البرازيل عن الزعيم البرازيلى الذى لمع نجمه بين الأوساط الثورية خاصة فى فترة الإنتخابات الرئاسية التى اذهلت العالم كأى حدث سياسى بهيج على أرض المحروسة.
"لولا دى سيلفا" كان عليه الحديث مع أهل البرازيل, تحدثت عنه كما سمعت و قرأت على صفحات الفيسبوك, إنه الرجل الذى نقل البرازيل إلى "النهضة" بلا طائر, إنه حببيب الملايين و نصير المظلومين, إنه الرئيس الفقير النزيه, و أخذت أقول إنه..إنه..إنه, حتى صاح أحدهم "من هذا؟ لولا..لولا بتاعنا إحنا..ده فاشل بكل المقاييس."
و فيما يبدو أن فتى البرازيل الاول "لولا دى سيلفا" كفتى تركيا الأول "كيفانج تاتلوج" (بالمصرى مهند), شهرته خارج بلده, و معجبيه فى العالم العربى فقط, فأضاف باقى زملاء البرازيل أن الحياة فى البرازيل إنتقلت من سئ لأسوأ بعد حكم "لولا", فالأسعار إرتفعت و مصروفات  التعليم إقتدت بأسعار السلع من حيث الإرتفاع, و يبدو أن صدمتى فى معلوماتى عن "لولا" إمتزجت بالتراث الثورى المبارك الذى يحمله وجدانى, و قولت لنفسى حينها: "دول أكيد فلول النظام السابق عشان كده ما بيحبوش لولا", و تركت الحديث لفترة أبحث فى مخى و أتساءل "فلول بالإنجليزى يعنى إيه؟؟", و الحمد لله إنى لم أعرف ترجمة إنجليزية لكلمة فلول و إلا كنت سأدخل فى نقاش لا يسمن و لا يغنى من جوع كشأن أى نقاش مزدحم بالألفاظ الخارجة بين ثورى متعصب و فلولى عتيد, و تحول النقاش لا عن دبلوماسية بل عن إنجليزى "تعبان", إلى سؤال أنيق رشيق كأسئلة الاستاذ يسرى فودة"فمن هو المستفيد إذن من الرئيس لولا دى سيلفا؟" أو بأسلوب "عمرو أديب": "اومال مين اللى بيصوت للراجل ده فى الإنتخابات؟", فكانت الإجابة قاطعة بأن يجب أن تكون أسود و فقير معدم حتى تشملك الحكومة برعايتها, هناك إعانات و رواتب للفقراء السود, كما أن هناك رواتب لأسر المساجين, و هى رواتب جيدة جداً و ليست كمعاشات المصريين الذين إرتكبوا جريمة خدمة الوطن ليحصلوا على رواتب هزيلة بعد الستين, فهذه السياسة  زادت من معدلا ت الجريمة فى البرازيل "اللى هى اصلاً مش ناقصة" فأصبحت الجريمة فى حد ذاتها عمل لكثير من البرازيليين, يدخل السجن معزز مكرم ياكل و يشرب و ينام على حساب الحكومة, و الراتب يصل لأسرته من غير ما يتعب نفسه فى حاجة, و كأنه يعمل فى الخليج !..
عاش لولا نصير المبلولين

كنت وافرة الحظ عندما علمت ان المجموعة البرازيلية أبطال هذا الحوار, من مختلف الطبقات الإجتماعية فى البرازيل, مما زاد الصورة لى وضوحاً, فقبل أن نصنع تمثالاً لابد و أن نعرف جيداً, ما له من كفاءة و إمتياز.

كان التعليق الأشمل من صاحب الشاى العجيب المذكور أعلى النص, أن "لولا" نجح فى بناء قاعدة عريضة من الفقراء و السود, و نسى حقوق الطبقة المتوسطة و البيض, مما جعله رئيس إعلامى محبيه من خارج البرازيل أكثر عدداً من محبيه من الشعب البرازيلى ذاته, و لكن الإعلام الذى إحتارت الشعوب فى وصفه: أهو إعلام صادق؟ أم مخرب ؟ أم مضاد؟ أم مرتزق ! ينقل للشعب صورة مهمة عن حجم ثروة "لولا" الذى يتظاهر بالفقر, فأكد لى الرفاق أنهم دائماً يسمعون عن حجم ثروة "لولا" خارج البرازيل الذى يعد بالمليارات, و عن عائلته التى إرتقت أعلى المناصب بعد توليه الحكم.
بصراحة أنا تهت !, لم أعد أعرف من هو الصادق و من هو الكاذب, و المصيبة أن هناك من هو بينهما ! ممن يلون الحقائق لخدمة المصالح و الأهواء الشخصية , حقاً إننا نعيش فى عصر سخيف إختلت فيه القيم و بهتت فيه الرؤية, لا أعلم مدى صحة ما رويت و لكن الله يشهد أنى رويته بكل صدق و عدل, فالسياسة لدى أصبحت كالساعة "علمها عند ربها".

No comments:

Post a Comment