Thursday 20 December 2012

فى حضرة المعرى

عزيزى العالم
أبو العلاء المعرى
ربما نعتوك باليائس, و ربما كنت لديهم رهين المحبسين, و لكن لا شك انك عالم, لا فى اللغة و الأدب فحسب, بل انك علمت ما فيها من شغف و جنون لا يغنى من جوع, فأعرضت عنه, أتعلم يا أبا العلاء , أنى لم أكن لأرسل لك رسالة قبل هذا اليوم, إلا عندما رأيت الهلع ان يكون هذا اليوم اليوم نهاية العالم ! تخيلت وجودك وسط الخائفين و المستهزئين بهم, تخيلتك فى حالة ثالثة: حالة من التأمل و الإستنكار, فلما الخوف؟ و لما الأمل؟ إنى اتفق معك فى الزهد, و لكن زهدى جاء من إحساسى بعدم الرضا, فماذا بعد أن أفعل كل ما يفعله الناس فى زحام الحياة؟ و أيقنت ان تلك المتع لم تعد تكفى لإشباعى, فبدأت أرنو إلى ما هو أبعد, و على النفس أصعب و إلى فطرتها أقرب, فما أسهل مساعدة الغير بلا غاية, و ما أصعب ان تتغلب على غريزة أخذ الماقابل! و لكن زهدك جاء عن معرفة: أن ما فى الحياة لا يساوى جناح بعوضة فى عالم آخر جعلنا الله من ساكنيه.
كانت تلك الليلة التى جلست فيها صديقتى تبوح بلا قيود, فما أعجب الليل الذى يخرج ما فينا من أسرار ! أهى وحشة الليل التى تجعلنا نختبئ فى صدق الآحاديث؟ أم هو رحيق القهوة الذى يجعلنا نبوح بلا وعى ؟ تحدثت بصدق عن رفضها للزواج, و تحدثت بعمق فى أمور ليس لها علاقة بالرجال, تحدثت عن مصاعب التى شربتها من كأس الحياة, عن الجحود, الغيرة, الحروب و الخيانة من ذوى الأرحام أنفسهم و لا من زائرى القلب, و بعد كل هذه الأسرار , ختمت الجلسة بنفس سؤالك أيها العالم الجليل: لماذا أجنى على غيرى ما جناه علىً أبى؟ لماذا انجب من يتورط فى رحلة الحياة غصباً عنه؟
أتعلم ان الطلاق أصبح لا دين له؟ إن الطلاق أصبح إتجاه عالمى, لا يبرر بظروف مادية و لا حالة أمنية, معظم من أعرفهم الآن من المطلقين, او على شفا حفرة من الطلاق, لماذا لم يصبح الإنسان كما كان؟ او كما يحكى لنا أجدادنا عنه, أن هناك رابط أسرى قوى, و أن هناك رسالة يبلغها الآباء للأبناء, و لكنى عندما أقرأ تاريخك أتأكد ان هذا النفور الإنسانى وجِد من قديم الزمان, و لكن زيادة المعرفة هى التى ساقتنا إليه فى هذا الزمن, حقاً إن الآمانة ثقيلة و نحن جاهلون ! و انت كنت تعلم قديماً ما علمناه حديثاً.

الدوحة
قطر
20-12-2012

No comments:

Post a Comment