و عاقبة الصبر الجميل جميلةٌ و ان افضل اخلاق الرجال التفضلُ
قامت فينا ثورة على نظام, و لكننا نحتاج الى إعادة النظر فى منظومة الاخلاق, الحديث اليوم فقط لإعادة الثقة فى كفاءة الاخلاق فى إدارة حياتنا, لقد تربينا على سماع اقوال مثل "الاخلاق ما بتنفعش فى الزمن ده" و سنقرأ اثناء الاحداث اقوال اخرى اصبحت دساتير فى تعاملاتنا اليومية, هذه قصة لشاب تخلص من كل الافكار الدخيلة على الاخلاق و عاش بالاخلاق وحدها و اكتفى .
إعتاد حضور المحاضرات فى الجامعة, حتى التى لم يكن يفهم منها شيئا كان يحضرها و كان يقول للزملاء "بقى الدكتور يتعب نفسه و يجى المحاضرة و احنا ما نجيش, ما يصحش يا جماعة و الله" كان سخرية الطلاب بهذه العبارة البسيطة, و كان دهشتهم فى نتيجة كل عام التى لا يتجاوز فيها تقديره الجيد المرتفع, فقد كانت محاضراته الكاملة مصدر مذاكرة الجميع و كان منهم من يحصل على الامتياز و المراتب الاولى, بينما صاحب المحاضرات نفسه لا يرى الامتياز ابدا.
كانت إجابته على تلك الاسئلة التى دارت حول تقديره: انه متوسط فى كل شئ الطول, الجمال, الحالة المادية و مستوى المذاكرة, فقد كان يهتم بحضور المسرحيات الروائية و قراءة الكتب و لعب الكرة فى بعض الاحيان, فهو لا يعطى المذاكرة الاهتمام الاول فى حياته, و إذا سأله احد افلا تغار ممن يحصلون على الامتياز بسبب محاضراتك و انت لا تحصل عليها؟ فكان يقول الإجابة التى ظلت مزحة طلاب الصيدلة: "ما هو انا بكتب لهم المحاضرات عشان خاطر مصر, يعنى عشان نتفوق كلنا و ننفع البلد, انما مين هايجيب كام و لا تقدير ايه, انا مش بفكر كده", لا نستطيع ان ننكر ضحكات ما قبل الثورة على جملة "عشان خاطر مصر" و لكن اليوم الوضع مختلف تماما و نحمد الله على هذا الإختلاف.
تخرج الصيدلى الشاب من الكلية و عمل فور تخرجه مندوب مبيعات فى شركة ادوية عالمية فى مصر, ليس بالصعب ان تجد فرصة عمل مندوب مبيعات, خاصة اذا كنت لبقا تجيد الإنجليزية, و لكن كانت الصعوبة فيما عاناه مع مديريه بالشركة.
حاول بقدر الإمكان ان يروج للادوية بالشكل العلمى و التسويقى الصحيح دون اللجوء لاساليب ملتوية كالرشوة و الهدايا, الا انه لم يستطع تحقيق المبيعات المطلوبة منه و لكنه حقق 85% منها و هذه تعتبر نسبة كبيرة جدا حيث لا هدايا للاطباء و لا مجاملات, سئم منه مديره المباشر فهو يريد ال100% التى لا تتحقق بآدائه الاخلاقى, تفاقمت الخلافات بينه و بين مديريه حتى وصل الى مدير فرع مصر, و كان ذلك بعد سلسلة كبيرة من الإهانة و التوبيخ من قبل المدير المباشر و بعد ان قال له "الاخلاق دى ما بتأكلش عيش"و اعطاه درسا فى كيفية المهاودة و الملاطفة حتى للتمرجى فى عيادة الطبيب لكى يأخذ دور متقدم عن زملائه المندوبين, و اخبر الشاب المدير ان احد التمرجية طلب منه بأسلوب سئ و كأنه خادم ان ينزل و يشترى له علبة سجائر, و كان رد المدير: "و انت جيبت له ايه مارل و لا كليوبترا؟"
- "لا طبعا ما رضيتش اصلا, لو كان طلب منى و قال لى انا عندى شغل و مش فاضى انزل كنت ساعدته و جيبت له, لكن ده ساومنى على دورى, يدخلنى فى دورى مقابل علبة سجاير."
لا يُذكر شئ من رد المدير المباشر سوى التصعيد و التهديد بالإقالة, و عندما قابل الشاب مدير الفرع بمصر, وجده رجلا ودودا حسن الاستقبال تحدث معه برفق و سأله عن حياته الشخصية, و عندما علم ان الشاب خاطب سأله عن اهل خطيبته, ثم قدم للشاب نصيحة عندما علم ان والد خطيبته موظف فى دار الكتب, كانت النصيحة ان يبحث عن زوجة لها عائلة تنفعه فى عمله, و ضرب له مثلا بعائلة زوجته كلها اطباء مشهورين و وكلاء فى وزارة الصحة, لذلك هو المدير: "المدير فى اى شركة كبيرة مش اشطر واحد, لا خالص, المدير هو اكتر واحد بيعرف يعمل فلوس للشركة", و كان رد الشاب غير متوقع بالنسبة للمدير, فكيف يطلب شاب فقير و لديه اعباء بسبب الزواج ان يستقيل؟
قائلا: "ربنا كرم الانسان, فين بقى كرامتى لما اتجوز واحدة عشان عائلتها؟ و عشان ايه؟ عشان اعمل فلوس!"
فرد المدير: "الكرامة مش هتأكلك عيش."
-"و انا العيش اللى هيجى من غير كرامة نفسى ما تروحلوش."
القى الشاب الإستقالة و ادخل على اسماع المدير كلاما جديدا لم يسمعه من قبل و لم يفكر فيه من بعد, و مرت على تلك الحادثة خمس سنوات, اصيب فيها المدير بعدد لا يهان من الازمات القلبية و الذبحة و هو فى على اعتاب الاربعين, اصابته امراض تلزمه بالراحة كمن هو فى عمر الستين, و اصدرت الشركة قرارها بالإستغناء عنه, و جاءت بمدير جديد يعتبره الجميع اصغر مدير فرع لشركة عاللمية على مستوى العالم, انه شاب مصرى فى الثامنة و العشرين, يختلف عن الجميع بأخلاق و التزام فى المواعيد قبل العمل, انه ذلك الشاب الممستقيل منذ خمس سنوات و الذى عمل بشركة محلية بمرتب ضئيل حتى تعرف على طبيب اجنبى فى احد المؤتمرات الطبية اعجب جدا بإلتزامه فى العمل و ارسله للعمل خارج مصر حيث نجح و تفوق و برع و جاء فى عمر صغير و بزوجة احبها ليحل مكان شاب هرم اهلك نفسه فى البحث عن اموال صرف معظمها على امراض نفسه و الباقى هو حلال الورثة, فهل من متعظ؟
No comments:
Post a Comment