Monday, 2 July 2012

تعبانون

حكاية من الواقع و لكن فى منتهى الخيال فى رصد القاهرة 2012


رامى صبرى
لسنا مجرد مادة إعلامية, تتعامل معنا الصحافة لمجرد حشو الاسطر و حشد القراء, فى بحث عن حل نحن, و الميديا فى بحث عن إعلانات, الإتصال مفقود , فالغايات متوازية و لا تتقاطع فى نقطة الحل.
هكذا كان يفكر رامى , فمن يوم ان انشأ حملة على الفيسبوك تسمى "تعبانون" انهالت عليه الميديا كأنه طفل معجزة يرقص الصلصا باحتراف, مع ان احلامه عادية و بالرغم من ذلك فهى التى تحتاج الى معجزة لتحقيقها.
كان الشاب يائسا بمعنى الكلمة, اول فرصة عمل له جاءت بعد التخرج بثلالثة اعوام, عمل حكومى صغير و لكن "ان شاء الله ليه مستقبل" فهكذا كان يقول له ابوه ليصبر صبرا جميلا على بلاء بلد لا حيلة له فيه, كانت كل كتاباته و خواطره عبارة عن شجون محبطة من الزحام و الغلاء و الحب الذى ينتظر شقة إن وجدت وجد الحب , و لماذا إن وجدت؟ حتى لو كان يملك شقة فالطلبلت المادية لأهل البنت لا تنتهى , و كأن العريس هو عم دهب فى شبابه او مينى مليونير, غير ان ولع الفتيات بأبطال المسلسلات التركية ضيقا فى حد ذاته, فجميع الابطال اغنياء يقدموا الورد و الشيكولاتة فى قصور فخمة, و الفتيات ينتظرن هذا, و كان السؤال الذى يشغله دائما:"هو ازاى البطل فى المسلسل التركى بيبقى فقير فى الحلقة الاولى و بعدين يغتنى فى الحلقة العشرين و يبقى ملياردير فى اخر المسلسل؟ هو ده عادى فى بلدهم يعنى؟ اصل انا ابويا فقير من سنة 80, و لسه مستنى الحلقة العشرين", و يطلقون على المسلسل اسم سنوات الضياع, "و افتخر من سعادتى و لا احزانى".
لمجرد التجديد فقط قرر ان ينشر كتاباته الخاصة على مدونة اسماها "رامى بلا سهام" و كتب فى إحدى تدويناته:
 فإلى متى سأظل كما انا؟ الحياة تجرى و انا اقف اشاهد, و لا املك حتى حق التصفيق او البصق, حتى جاء له معلق على التدوينة يقول:"انا تعبان فشخ يا رامى", فرد عليه رامى"يعنى شايفنى انا اللى مستريح".
-"يا عم ما تزوقش, انا قصدى انا تعبان زيك."
-"مفيش حد زيى انا تعبان اكتر واحد."
-"لا انا تعبان اكتر."
فجاء طرف ثالث و قال:" خلاص كلنا تعبانين يقى اتهد منك له".
لم يكن رامى بحاجة لمقابلة اصدقاء المدونة ليعلم مشاكلهم فالجميع ما بين عاطل او محدود الدخل, و الكل بلا زواج و الاكيد ان الرغبة فى الحياة تتضاءل مع اقتراب الثلالثين, و من الردود السابقة كانت تدوينته "تعبانون" التى تحدث فيها عن الاحزان العامة  و كانت هى الشرارة الاولى لفكرة حملة لل"تعبانون" لعل المسؤولين يسمعون.
حدد رامى المطالب بلا إعتصام او وقف عجلة إنتاج, و اوجز الامر فى كلمتين: شغل و شقة, حاولت الحملة الإتصال بالإعلام و بالفعل اصبحوا ضيوفا على كل الموائد الحوارية التليفزيونية, ردود افعال شعبية إيجابية جدا و ردود افعال سلطوية صامتة جدا, حتى ذابوا فى الذاكرة كجورج فرداحى سفير المليون, فالإعلام الآن مشغول بشخصية آخرى.



نادية لطفى
اصبح الفيسبوك بالنسبة لها كالصحيفة اليومية، فالدكتورة "نادية" الطبيبة و الناشطة الحقوقية تستهل يومها بقراءة الصحف اليومية و فى مقدمتها الفيسبوك، و لكن فى هذا الصباح اندهشت لما رآت من تعليقات و سخرية على صفحة تدعى "اللجوء الى مصر" ، لا شك ان العنوان مثير للفضول فمن يريد ان يلجا لمصر فى هذه الظروف المتقلبة ما بين السئ و الاسوء؟ و كانت المعلومات المنشورة عن الصفحة حقا مثيرة للإهتمام " نحن مجموعة من النساء البوسنيات المتعلمات و المسلمات الحمد لله ، قاسينا من ويلات الحرب فى التسعينيات و المشهد السياسى عندنا يبدو مخيف و طبول الحرب اوشكت على الدق، لهذا قررنا اللجوء الى مصر قبل ان نشرب كأس المر مرة اخرى..فهل تقبلونا يا اهل مصر بينكم؟ تحياتى لاهل مصر (لى لى دراغن...مؤسسة رابطة "بوسنة للابد" النسائية).
فأخذت نادية تتفقد التعليقات المنشورة على الصفحة  و من بينها: " عزيزتى (لى لى دراغن) هلى انت متأكدة من انك متعلمة؟ هل تقرأين عن مصر 2012؟ هل تعرفين ان اهل مصر يريدون اللجوء لاى مكان حتى إن كان العالم الاخر؟
- طب انتو ستات كده وجايين لوحدكو ماتعرفيش ان فى هنا انفلات امنى؟
- بوسنا الى الابد، اوى اوى يا روحى من غير ماتقولى".
اولت نادية للامر اهتماما فهى ناشطة حقوقية شهيرة كما انها إمرأة تشعر ماذا تعنى كلمة الحرب قادمة بالنسبة لإمرأة..فعلى الفور خاطبت لى لى قائلة:" عزيزتى لى لى كم انا سعيدة بك كإمرأة قوية و شجاعة، و يشرفنى ان اعرفك بنفسى فأنا الناشطة الحقوقية و الطبيبة (نادية لطفى)  بالطبع سنتلقى قريبا فى مصر بحكم عملى الحقوقى و لكن تشرفنى معرفتك على المستوى الشخصى قبل المهنى...تحياتى نادية".
كان رد لى لى مفعما بالود، وفور وصول لى لى الى مصر بوفدها النسائى الذى يضم مائة سيدة و فتاة بوسنية طلبن جميعا اللجوء، كان عشاء لى لى فى منزل نادية و ابنتها، التى انسحبت من الحوار بمجرد ان علمت ان لى لى مطلقة! فهذه الفتاة تكره نموذج المطلقة الذى رأته فى امها، فضلا عن الحواجز التى وضعتها نادية بينها و بين ابنتها بسبب رفضها لزميلها فى الجامعة الذى اصبح خطيبها بعد معاناة استمرت عامين دافعت فيها الفتاة عن الحب الذى مازالت نادية تعتبره لا يكفى فهى تفكر بمنطق الام التى لا تعترض على الشاب و لكن ترى ان ابنتها تستحق الافضل و لطالما قالت عن هذا الشاب "كويس بس ماينفعناش" .
ان اصرار الابنة لم يكن هو الوحيد وراء الفوز بالخطبة بل كان هناك دافع اكبر يجعلها تشعر ان اختيارها لحبها هو الصائب، فقد كانت ترى امها فاشلة عاطفيا..نعم تركت زوجها لاهتمامها الزائد بعملها..فهل يصح انا تستمع لنصيحة فاشل؟؟ وجاءت لها على النقيض صورة حماتها والدة حبيبها فهى سيدة متعلمة و عاملة كأمها ايضا تساعد زوجها فى مواجهة صعوبات الحياة لم تصطدم به يوما لتقصير منها فى شئ كما فعلت امها بل كانت له خير معين كما تحاول ان تفعل هى مع خطيبها الذى تتعمد نادية ان ترهقه بطلبات مادية تراها هى هامة و تريدها الفتاة ايضا و لكن تريدها "رمزية" كما وصفت الشبكة، و كان من الطبيعى ان تسخر منها نادية طول اليوم "تعالى يا رمزية...روحى يا رمزية...ابقى قابلينى لو رمزية دى نفعتك"...الحوار مفقود بين الام و الابنة فكان من الطبيعى ان تنسحب ايضا من الحوار مع لى لى التى ارتاحت لها نادية كثيراً.


لى لى دراغن
اقامت لها نادية مؤتمرا صحفيا تحدثت عنه الصحافة المصرية لمدة شهور, وصِفَت لى لى من خلاله بأنها إمرأة تفيض رقة و حديثها انما هو السهل الممتنع, فماذا قالت لى لى؟؟
"لم اعلم ان مصر جميلة الى هذا الحد, فقد زرتها مرة وانا فى السابعة من عمرى مع والدى و باتت فى مخيلتى ارض النيل و الاستقرار, اما الآن فأنا اراها ارض الحب و الدفئ, ارض السلام دائما و ابدا, لهذا نشرت الدعوة بين عضوات رابطتى لكى نرحل جميعا الى مصر قبل ان تشعل الحرب إوارها من جديد."
و سألتها إحدى الصحفيات" من الممكن ان تعرفينا اكثر بالصديقات المهاجرات البوسنيات؟"
فأجابت لى لى  بصوتها الرقيق:" نحن مجموعة من النساء الغير متزوجات من بيننا الآنسة و المطلقة و الارملة, تتراوح الاعمار ما بين الثانية و العشرين الى الاربعين, فأنا اكبرهن عمرى اربعين عاما , ليس لدى اطفال و ليس لديهن اطفال, جميعنا نعيش بمفردنا, و يجمعنا هو الخوف من الحرب و لنا من الذكريات الاليمة معها ما لا نستطيع سرده."
سؤال من احد الصحفيين" لغتك العربية سليمة جدا, هل جميع المهاجرات يجدن العربية؟"
بإبتسامة هادئة اجابت:" اشكرك سيدى على مدحك للغتى العربية, فأنا مسلمة و الحمد لله درست الشريعة الاسلامية وتخصصت فى الدعوة و هذا هو سبب فصاحتى فى العربية, اما باقى المهاجرات فهن جميعا مسلمات و الحمدلله و على دراية باللغة العربية, كما اننى قمت بتدريبهن على اللغة العربية لمدة شهر قبل ان نهاجر الى مصر."
وجاء السؤال الاهم من احد الصحفين " ماذا تعرفين عن مصر 2011 و مصر 2012؟"
اجابت الشقراء البوسنية" انا اعرف المكانة التاريخية و الاقليمية لمصر و الدينية فهى بلد الازهر الشريف, اما 2011 بالنسبة لى هو مجرد تأريخ لحدوث ثورة على نظام سابق حقيقة لا اعرفه جيدا حتى ارفضه او اؤيده, و لكن مسمياتك مصر 2011 او مصر 2012 التى لا اتفق معك فيها لأن مصر واحدة على مر العصور قال الله تعالى فى كتابه العزيز (ادخلوها بسلام آمنين) ."
فيقاطعها الصحفى قائلا"و لكن.."
فتكمل لى لى مسرعة:"لم انتهى من شرح النقطة السابقة حتى نبدأ فى تناول نقطة آخرى,."
و تعود مستطرده " كما ان الله قال عن مصر ايضا "اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم", وإن كنت تعنى بمصر 2011 و مصر 2012 تراجع الوضع الامنى او كما سمعت من اهل مصر الانفلات الامنى, فتذكروا يا اهل مصر انكم تعيشون الآن فى بلد بدون رئيس, و لو ان هذا فى اى بلد آخر لادركتم معنى الإبادة الجماعية و الاطماع الخارجية التى كانت من الممكن ان تحدث لكم فى هذه الظروف, لا تجعلوا الآمان الذى عاهدكم الله عليه و صدق وعده نقمة بدلا منه نعمة, انتم تقارنون وضعكم الآن بالوضع السابق و لا تقارنون وضعكم الآن بوضع غيركم تحت تلك الضغوط, و لما المقارنة من الاصل فى بلد ذُكر امنه فى كتاب الله , و الله له حافظُ."

رامى صبرى
"ليك يوم يا ظالم" هكذا كان ينشدها رامى سعيدا فرحا, فالدكتورة نادية امامه الآن على شاشة التلفاز يقطعنها الفتيات تقطيعا, فهى التى طالما هاجمت ال"تعبانون" و وصفتهم بأنهم العاطالون الكسلانون المخربون و لعجلة الإنتاج هم معطلون, اليوم تهاجم من البنات بسبب تواقد البوسنيات على مصر حتى تزوجوا جميع القادرين على الزواج و لا يوجد الآن غير "التعبانون" فانهارت نادية باكية وقالت:
"انا كمان تعبانة زيكم, لى لى اتجوزت طليقى بعد ما كانت بنتى نجحت فى محاولات اننا نرجع لبعض."
و قامت الفتيات بمظاهرة و اعتصام امام مجلس الشعب طالبن فيه بحل لأزمتهن, و لكن لم يستجب إليهن احد, حتى رامى رفض طلب الفتيات بالإنضمام الى الحملة قائلا:
"عشان حملتنا ليها حلم بسيط, انما انتو لما الرجالة الاغنيا خلصوا عبرتونا, اشربوا بقى يا شاربون", فاطلقت الفتيات على نفسهن فى البداية اسم "تعبانات"و لكن نالهن قسط وفير من التشبيه بأنثى الثعبان, و لإنعدام الخيال و الإبتكار اصبح اسم حملتهن "مرهقات"
و آن الاوان ان يستبدل رامى شعار الحملة "البطة السوداء" بصور لمشجعات اليورو, فالبنات اصبحن كثيرات و الاهالى تريد ان تزوج البنت بلا طلبات فالاغنياء انتهوا من سوق الزواج , و اصبح التعبان منهم يختار الفتاة التى يريدها و يبارك الاهل الزواج بلا نقاش, و ظهرت الحلول اخيرا فالدولة وفرت مساكن كثيرة للشباب فحتى بنات المسؤولين اصبحن "مرهقات", و الاهالى تساهلت فى الماديات, و اصبحت الحياة عنبا.

و السؤال الآن: هل يحتاج الشباب "التعبانون" لمعجزة كإفتكاسة "بوسنة للابد" حتى نتخلص من افكار بالية و نعدل سياسة بلد؟؟؟

https://www.facebook.com/Ta3banoon

https://twitter.com/#!/ta3banoon


1 comment:

  1. اصل انا ابويا فقير من سنة 80, و لسه مستنى الحلقة العشرين

    ReplyDelete