فى الركن البعيد الذى لم يعد هادى, قرر عمى أن يهد بيت العائلة..بيت الذكريات, الملاذ
و الملجأ الأخير من سخطى على الحياة الذى تسبب فى وصولى إلى الأربعين بلا زوجة و لا ولد, أصبحت أنتمى للجذور أكثر من أى وقت مضى, لقد شربت إكسير الغربة, حلو المذاق فى البداية حتى تتعود عليه و يصير لك فيه حياة, ثم فجأة ينقلب السحر على الساحر و تتمنى أن تعود لتروى جذورك و لو للحظة, لتتكرر أنشودة الألم الأبدى, عندما يعود المواطن و لا يجد الوطن ! فالوجوه غير..الشوارع غير..حتى و إن كانت الأسماء لم تتغير فالأفئدة باتت تختلف..
دقت أولى طبول معركة الجدل العائلى الحرج حول رفضى لهد البيت و بيع أرضه لمستثمرى الأبراج النيلية, فور إصطحاب عمى و ابنه لى من المطار إلى منزلهما الجديد, فحاول عمى تغيير مسار الحديت فسأل:
-"قولنا بقى يا سيدى, إيه أكتر حاجة لفتت نظرك بره مصر؟"
-" الفتى."
-"هو الخواجات بيفتو زينا و كده؟"
-"زينا و اكتر و الله يا عمى."
-"مع انى كنت فاكر ان الفتى ده صناعة مصرية."
-"الفتى لغة عالمية, و جايز جدا انك توقف حد فى الشوارع و يفتى لك فى عنوان فتوة تتوهك, مفيش زى مصر بس اللى فيها مش عارفين قيمتها."
لا غبار على مبررات الجميع فى البيع والهدد, فلهم زوجات و أبناء يستحقون الأفضل, و لكن كان تبريرعمى لرفضه لإعتراضى هو المثير لذهنى, فلم يجامل الرجل أو حتى يبحث عن مفردات أنيقة, فمثلما تحدثت عن تغيير الشوارع و النفوس التى فقدت الإنتماء, فلم يجامل الرجل إذ نصبنى أنا على عرش المتغيرين, فأنا الذى كانت لى الغربة وطن و ألفت العائلة وضعى و غربتى. آتى على حين غرة لأهد بناء شخصى فى عيونهم, لماذا رجعت؟ هل رويت شهوتك فى المال و تبحث الآن عن شهوة آخرى.؟ لسنا طوعاً لرغباتك , و لا نزواتك.
أكد الرجل أن ما أشعر به هو مجرد نزوة عاطفية عابرة, كأزمة منتصف العمر التى يمر بها الرجل المتزوج, فهى أزمة منتصف الحلم التى يمر بها كل من اختار طريق الأحلام لرسم قصة حياته, و سوف أعود إلى ذاتى التى يعرفها هو أكثر منى. و سأغضب من وطنى كما غضبت عنه منذ عشر سنوات مضت.
حتى و إن كان فى ذلك عذاب نفسى, لم استطع أن أغلب هوى نفسى, فذهبت مع عمى إلى مسرح الجريمة, موقع هد البيت و مسح الذكريات من على وجه الأرض, و رأيت جدران حجرتى تتناثر كالأشلاء أمام عينى, و تهت فى ذكريات أبى و أمى رحمهما الله, إحساس غريب ..قوى..لعين, و الجميع يرى و يشاهد, صفوف من المارة ممن إعتادوا رؤية بيتنا العتيق ذو المعمار العظيم و الحجر القوى المتين, تناثرت تعليقاتهم على أسطورة هد هذا الكيان لتشكل أسطورة آخرى عن حقيقة هد بيتنا.
-"إزاى تهدوا المبنى الأثرى, أدى اللى خدناه من الإخوان, بكره يهدوا الهرم و إحنا واقفين نتفرج."
-"إخوان إيه يا عم, ده بيت قديم و مشرخ من جوة و جاى له قرار إزالة من قيمة سنة و سبع تشعر كده."
-"إلحقى يا ماما الليبرالين هدوا مقر الإخوان."
-"ريبراريين إيه يا واد, ده البيت ده اللهم احفظنا مسكون فالأهالى لموا من بعضياتهم عشان يهتوه, و الجن اللى فيه يرحل, اصله جن شرانى كافر بيسقط عيال المنطقة فى السانوية العامة إن دخلوها أصلاً , كل العيال اللى ساكنة هنا دخلو تيجارة ما كبوش مكموع السنوى العام...انت هاتفضل فتاى على طول كده يا واد..انا ما ربتكش على كده."
و فجأة تحولت لأخضر رجل فى العالم و صحت فيهم صيحة اعادت الدجاجات لأعشاشها: "اسكتوا بقى فشختونى فتى, صدق اللى قال الفتى صناعة مصرية, دى عيشة تقرف."
لم اسمع حينها سوى صياح ملكة جمال الفتى فى وجه فرخها الصغير "كالك كلامى مش قولت لك مسكون..السماح..السماح..يالا بينا يا واد العفريت طلع."
ثم رمقت إبتسامة عمى الداهية العجوز و هو يقول "حمد الله ع السلامة يا ابن اخويه."
دقت أولى طبول معركة الجدل العائلى الحرج حول رفضى لهد البيت و بيع أرضه لمستثمرى الأبراج النيلية, فور إصطحاب عمى و ابنه لى من المطار إلى منزلهما الجديد, فحاول عمى تغيير مسار الحديت فسأل:
-"قولنا بقى يا سيدى, إيه أكتر حاجة لفتت نظرك بره مصر؟"
-" الفتى."
-"هو الخواجات بيفتو زينا و كده؟"
-"زينا و اكتر و الله يا عمى."
-"مع انى كنت فاكر ان الفتى ده صناعة مصرية."
-"الفتى لغة عالمية, و جايز جدا انك توقف حد فى الشوارع و يفتى لك فى عنوان فتوة تتوهك, مفيش زى مصر بس اللى فيها مش عارفين قيمتها."
لا غبار على مبررات الجميع فى البيع والهدد, فلهم زوجات و أبناء يستحقون الأفضل, و لكن كان تبريرعمى لرفضه لإعتراضى هو المثير لذهنى, فلم يجامل الرجل أو حتى يبحث عن مفردات أنيقة, فمثلما تحدثت عن تغيير الشوارع و النفوس التى فقدت الإنتماء, فلم يجامل الرجل إذ نصبنى أنا على عرش المتغيرين, فأنا الذى كانت لى الغربة وطن و ألفت العائلة وضعى و غربتى. آتى على حين غرة لأهد بناء شخصى فى عيونهم, لماذا رجعت؟ هل رويت شهوتك فى المال و تبحث الآن عن شهوة آخرى.؟ لسنا طوعاً لرغباتك , و لا نزواتك.
أكد الرجل أن ما أشعر به هو مجرد نزوة عاطفية عابرة, كأزمة منتصف العمر التى يمر بها الرجل المتزوج, فهى أزمة منتصف الحلم التى يمر بها كل من اختار طريق الأحلام لرسم قصة حياته, و سوف أعود إلى ذاتى التى يعرفها هو أكثر منى. و سأغضب من وطنى كما غضبت عنه منذ عشر سنوات مضت.
حتى و إن كان فى ذلك عذاب نفسى, لم استطع أن أغلب هوى نفسى, فذهبت مع عمى إلى مسرح الجريمة, موقع هد البيت و مسح الذكريات من على وجه الأرض, و رأيت جدران حجرتى تتناثر كالأشلاء أمام عينى, و تهت فى ذكريات أبى و أمى رحمهما الله, إحساس غريب ..قوى..لعين, و الجميع يرى و يشاهد, صفوف من المارة ممن إعتادوا رؤية بيتنا العتيق ذو المعمار العظيم و الحجر القوى المتين, تناثرت تعليقاتهم على أسطورة هد هذا الكيان لتشكل أسطورة آخرى عن حقيقة هد بيتنا.
-"إزاى تهدوا المبنى الأثرى, أدى اللى خدناه من الإخوان, بكره يهدوا الهرم و إحنا واقفين نتفرج."
-"إخوان إيه يا عم, ده بيت قديم و مشرخ من جوة و جاى له قرار إزالة من قيمة سنة و سبع تشعر كده."
-"إلحقى يا ماما الليبرالين هدوا مقر الإخوان."
-"ريبراريين إيه يا واد, ده البيت ده اللهم احفظنا مسكون فالأهالى لموا من بعضياتهم عشان يهتوه, و الجن اللى فيه يرحل, اصله جن شرانى كافر بيسقط عيال المنطقة فى السانوية العامة إن دخلوها أصلاً , كل العيال اللى ساكنة هنا دخلو تيجارة ما كبوش مكموع السنوى العام...انت هاتفضل فتاى على طول كده يا واد..انا ما ربتكش على كده."
و فجأة تحولت لأخضر رجل فى العالم و صحت فيهم صيحة اعادت الدجاجات لأعشاشها: "اسكتوا بقى فشختونى فتى, صدق اللى قال الفتى صناعة مصرية, دى عيشة تقرف."
لم اسمع حينها سوى صياح ملكة جمال الفتى فى وجه فرخها الصغير "كالك كلامى مش قولت لك مسكون..السماح..السماح..يالا بينا يا واد العفريت طلع."
ثم رمقت إبتسامة عمى الداهية العجوز و هو يقول "حمد الله ع السلامة يا ابن اخويه."
No comments:
Post a Comment