Friday, 14 June 2013

فائدة الثلاثاء


الطريق..كل شئ هو طريق, كل غاية لها طريق, و إن تحملنا صعوبات الطريق, فكيف نتحمل تكلفة النهاية؟ التى ربما تأتى بما لا تشتهى النفس ! هل أنا تصالحت مع ذكرياتى؟ أم سيطرت هى على؟ عبث و نفور .. هى حالتى, قلق دائم هو وضعى, و ما أغرب ذلك القلق ! فأنا قلقة بلا سبب و قلقة على لا شئ, الإحساس مهمين على روحى, و يؤذينى فى عقلى, و لكنى للآسف لا أرى له كيان مادى لكى أتفاوض معه, لأنى و بكل فخر غير قادرة ليس على محاربة القلق فقط , بل أنا غير قادرة على قتل ناموسة من ناموس الصيف الذى نثر على جسدى آثاره الحمراء, تزداد شهوتى فى الشجن كلما نظرت حولى الآن..الساعة العاشرة مساءاً, و يبقى فعلياً من الزمن ساعتان على إنتهاء يوم الثلاثاء الذى طالما ما احترت فى امره, حقيقةً .. أنا لا أفهم وجوده فى منتصف الأسبوع, و لكنه غير مضر كأول الأسبوع الذى يجلب الأعباء الجديدة, أو كأخر الأسبوع الذى يقلب المواجع القديمة, يعجبنى الهدوء فى عربة المترو الآن, لقد ركبنا خمس سيدات من أول الخط, فالوقت("بالإضافة إلى يوم الثلاثاء) لا يسمح بوجود من يعكر علينا صفو هدوء العربة, كبائعة لانجرى فاضح, او متسولة تدعى الإعاقة و المرض, أو طفل هزيل لم يعرف شيئاً عن الصابون من يوم ميلاده...يبيع أو يختبئ فى عربة السيدات من شئ لا أعلمه أنا و لكن هذا الطفل أوفر حظ منى لأنه يعلم ما يخيفه .
إرتباكى يتضح حتى فى وصف نفسى و ما حولى من مكان, فقد بدأت الحديث عن الطريق ثم تهت فى وصف نفسى تارة ثم فى وصف ما حولى تارة آخرى, يبدو أنى تائهة ليس فقط فى مشوار حياتى و لكن أيضاً فى سرد حكايتى, فهذا الطريق الذى شهد آيام من حياتى كنت أظنها الأسوأ قبل أن تعصرنى هذه الآيام عصراً, فى المحطة السابقة بكيت فى صمت يعلوه القوة على فراق رامى و خيانته لى, إدعى أنه تركنى و تزوج من آخرى لأنى لم أقل له "معرفش"فى أى يوم مضى, كانت تزعجه إستقلاليتى بجنون, و أنا اليوم أعلنها لنفسى بكل صراحة "انا معرفش" أنا لا أعلم هل ما رواه صدقاً ام عبثاً؟ و لكنى عرفت الآن شيئاً واحد: فلابد أن تبدأ علاقة الحب بين طرفين أحدهما يريد أن يقدم الحب و الآخر يريد ان يأخذ الحب, ربما كنت أقدم و هو يقدم و كلانا لم يأخذ شيئاً ! ربما..
و هذه هى محطة الخيبة, شوارع هذه المحطة ستسرد قصة حزائى المقطوع, و أنا أبحث عن عمل فور تخرجى, و أزمة مؤهل عالِ بلا واسطة تعلى من شأنه, فشلت فى هذا أيضاً , و لفشلى طابع مميز, فدائماً ما أتمنى ثم أتمنى ثم تنكسر روحى قبل أن ينكسر أملى, قمت كثيراً من كبوات و لكن كبوتى هذه لا أعلم كيف أردها عن ذهنى؟ إبتسامة الحياة لى فى هذه اللحظة كانت أكبر من حدود آمالى و شرود خيالى, تحقق الحلم و تم إختيارى للعمل فى محطة التليفزيون التى طالما حلمت أن اعمل بها, حتى بدا نجمى فى البزوغ, فإذا بمديرالقناة يستبدلنى بصديقته اللبنانية الحسناء مزة ثقيلة العيار و ثقيلة العقل أيضاً, تعطى بمقابل, تتاجر بكل شئ, تيقنت حينها أننى لم أحسبها بعقلى أبداً, دائماً اختار الطريق الأصعب و هناك الطريق الأسرع الذى ليس بالأسهل, فكل الطرق صعبة, و لكنه طريق اللاعب الأمهر, فربما إن كنت مختلفة فى شئ ما كانت تخلت عنى فرصة العمر, من كثرة الصدمات و طول المشاوير لم أعد قادرة على البحث بداخلى عن إختلاف, العجز أصبح عاهة, و الأفكار تقتل بعضها بشكل غريب.
- "هو حضرتك نازلة اخر الخط؟"
جاوبت على من تجلس جوارى دون أن أنظر لها حتى "لا المحطة اللى بعد الجاية"
- "هو فى حد معانا فى العربية تانى, و لا احنا اخر اتنين؟"
و إذا بكفوفها النحيلة تتحسس شعرى و تغمر جسدى بشحنات لا أعلم كيف أوصفها, عجز عن الوصف...عجز عن التفكير ... و قوة خارقة فى الإحساس, و كأن روحى اتصلت بروحها فى لحظة, لم يكن هناك سوانا فى العربة, و لكنى لم استطع أن اجيبها ب "لا" فلى عجز أقل من ظلام عجزها, يمنعنى أن أقول "لا" لمنكوب
-" انتى نازلة فين؟"
-"انا نازلة اخر الخط و عايزة حد يكون نازل معايا يعدينى كبرى المشاة و يركبنى التكتك".
-"انا هاوصلك."
-"انا متشكرة جدا"
و عندما وصلنا إلى المحطة أخذتها من يدها فعلياً, و لكن فى الحقيقة هى التى حمت نفسى بقوتها و صمودها, و أخذت تحكى عن حياتها و أنها كفيفة منذ السابعة من عمرها, و هى تعمل فى دار رعاية للمكفوفين, والعجيب أنها تنفق على أمها, بل و الأعجب أنه ليس لديها من يساعدها فى الذهاب إلى العمل, او الرجوع منه, فهى تخرج إلى الدنيا كل يوم فى إعتماد تام على الله كالعصفورة التى تبحث عن حبة فى غابة متوحشة, و على الرصيف كان هناك قارئ قرآن يتلو قول الله تعالى:
"فاصبر لحكم ربك و لا تكن كصاحب الحوت إذ نادى و هو مكظوم", فتحسست كف الرجل و دست فيه جنيه من حقيبتها المتهالكة, و أنا أراقب نفسى و نفسها , و الحياة بأسرها, لأول مرة اتدبر قصة يونس عليه السلام, الذى أكرمه الله بالمغفرة بعد فشل دعوى عظيم, و نجى من كربه...نعم هناك دائماً مفر..لنا الغفور الكريم الرحيم.
 ثم أوقفت لها التكتك كما طلبت
-"انا متشكرة ليكى اوى."
-"طب انتى هاتمشى ازاى بعد ما تنزلى من التكتك؟"
-"اكيد ربنا هيرزقنى بحد يوصلنى لحد بيتى."
-"اصل الوقت اتاخر و الدنيا ضلمة."
-"انا بقى لى 20 سنة على الحال ده, اما الضلمة فى دى على طول معايا".
و فور ركوبها التكتك اخبرت السائق أين تريد أن تذهب, و يبدو أن الرجل سمع حديثنا فرحب بأن يوصلها بنفسه حتى منزلها, و عدت أنا فى طريقى أنظر إلى القمر بعين آخرى, أنظر إلى جسدى و كأنه ليس لى, فقد كان سجن خرجت منه, أنظر إلى السماء لأجد قمراً كاملاً و أعرف قيمة الثلاثاء يوم الفصل بين آيام سابقة بالأسبوع و آيام تالية تختلف.

No comments:

Post a Comment