Friday, 29 June 2012

محليات ضل حيطة:: الحكاية الثاية: عن النعيم




مجموعة من الحكايات اطلقت عليها اسم "ضل حيطة" لان جميع البطلات نسوة يعشن بدون ظل الرجل، و محليات لانها غارقة فى المحلية المصرية.


تكرار المنظر يجعل العقل لا يلتفت الى التفاصيل, فالامر مسلم به, و هذا هو حالنا مع هذه السيدة و غيرها من النساء, تلك الارملة الفقيرة التى تسكن مع اولادها فى منزل متهالك الجدران, و نتذكرها احيانا فى العيد بنفقة او بكعكة و اين هى من اللحم؟
توفى الزوج الخباز بعد صراع طويل مع المرض, شاب فيه شعرها الذهبى و تفتحت الى الحياة اربع زهرات هن بناتها اللاتى اقتصر تعليمهن على الإعدادية, مسئولية الإطعام و العلاج و تجهيز البنات للزواج كانت اهم من التعليم, او على حد تعبيرها
"مش مشكلة الشهادة مادام بيعرفوا يقروا القرآن, هنعمل ايه بالتعليم؟" هو المنطق ! فدعونا نرى المنطق الزينبى (نسبة الى اسمها زينب) فى إدارة الحياة.
عندما مرض الزوج و نفذت المدخرات فى رحلة العلاج الحكومية الفاشلة, كان لابد لها من عمل, فاشترت مجموعة من صناديق الحلوى و جعلت من بوابة منزلها ذو الطابق الواحد, منفذا للبيع, فكانت حتى لا تقوى ماديا على شراء كشك, و كانت تحكى عن تلك الآيام اليائسة الفقيرة "لا فيه على الاكل لحمة و لا فراخ كله فول و طعمية, بس تلاقى وش البت من بناتى زى طبق الورد كأنها واكلة المحمر و المشمر".
كانت صدقة احد اصحاب متاجر السلع الغذائية الإستهلاكية فى المنطقة التى تسكن فيها, هى فاتحة الخير و الرزق, فقبل نفحات رمضان بآيام ارسل لها هذا الرجل سمنا, سكرا و زيتا, النموذج الشهير لشنطة رمضان, فبدلا من ان تأكل من هذه الصدقة هى و بناتها, اضافتها الى بضاعتها فى متجرها الصغير, و لأنها عليمة بظروف الناس و حاجتهم, باعتها بالتقسيط, فعندما علم التاجر الكريم الذى اهداها صدقته  ما فعلته بها, اخذ يرسل لها السلع بكميات كبيرة تبيع هى بالتقسيط و تسدد له ثمنها بالتقسيط ايضا, اقساط و جمعيات حتى بنت طابقين فوق الطابق الذى تسكن فيه, و فى كل طابق شقتين الواحدة منهما عبارة عن غرفة و صالة و الحمام مشترك, حتى تكون قد اتمت رسالتها تجاه الشقيقات الاربع.
"انا محتاجة رجالة معايا" هكذا كان التبرير لبنائها شقق لبناتها بالرغم من ان الشقة هى نصيب الرجل من اعباء الزواج, فموروث (ضل راجل و لا ضل حيطة) مازال يقظا بداخلها, و لم تلتفت لحظة الى نجاحها بمفردها فى الخروج من نفق العوز المظلم, فلرب ماضى اقوى من مضارع !
و كلما خطبت فتاة اشترت لها زينب بوتجاز و ثلاجة, و يأتى العريس بباقى الفرش و الاجهزة, و كان كل طابق من الطابقين كان يستخدم بوتجاز واحدة و ثلاجة شقيقتها , و يخزن البوتجاز الآخر و الثلاجة الآخرى لحين إنتهاء خدمة البوتجاز و الثلاجة قيد الإستعمال "اصل الحاجات دى مهمة و لو باظت ما اضمنش يعرفوا يجيبوا تانى زيها و لا لأ, الدنيا غالية و لسه هايجيبوا عيال, فقولت اشيل لهم الحاجات دى احتياطى."
و بعد تستير البنات, على صوت حنين لم يسكت لحظة لزيارة بيت الله الحرام, ففى وجدان الشرقى الدين نابض, يتقلب بين اغصان شجرة العمر بين الثبوت ثم الرفض ثم الشك ثم الرفض ثم اليقين الى الإسلام فالإستسلام, و فى السبعين من عمرها كانت هى عندما اتمت  مبلغ رحلة الحج البرية ذات السكن الخماسى الغرفة, رحلة شاقة كان الحج و كان الاشق هو الطريق الى الكعبة الذى بدأ منذ صراعها للنجاة بأطفالها الى الجمعيات التى دخلتها لمدة ثلالثة اعوام حتى تدبر مبلغ رحلة الحج الاكثر مشقة.
"الحمد لله ربنا ما حرمنيش من حاجة, حجيت مرة و ادينى طالعة عمرة السنة دى,  بحوش فى تمنها سنتين" و عندما سألتها الم تدخرى مالا من قبل من اجل وجبة كباب ساخنة؟
ضحكت و قالت : "هابقى اعين فلوس بعد ما ارجع من العمرة و اجيب لعيالى كباب, ثم لتسألن يومئذ عن النعيم, ربنا ينجينا يا بنتى."

Wednesday, 27 June 2012

عندما سأل الطرطور

كغيره من الطرطير، مخروط الشكل، مدبب الطرف،له شراشيب علوية مختلفة الالوان ما بين الاسود و الاحمر و الابيض، و فى احد الآيام شعر هذا الطرطور بالملل، فطلب من سيده ان يرسل له من يرفه عنه، فأرسل له سيده من يغنى له، و لكن لم يذهب عنه الملل، فأرسل له سيده من يرقص له، و ايضا مل الطرطور كل الراقصات و الراقصين، فطلب الطرطور من سيده ان يرسل له احدا لا يعرفه ليتحدث معه فقد سئم كل من يعرفهم او من يعرفه، فأرسل له سيده غلاما يدعى عصام.
الطرطور: ما وراءك يا عصام؟
عصام: ارسلنى سيدك للترفيه عنك
الطرطور: و ماذا تجيد من فنون الحياة؟
.عصام: على قدر كبير من المعرفة بالماضى و الحاضر 
الطرطور: و ماذا عن المستقبل؟
.عصام: استطيع ان اتنبأ ببعض من احداثه
الطرطور: و لماذا لم تخبرنى بهذا قبل ان اسأل؟
.عصام: امرنى سيدك الا احدثك عن المستقبل فليس لك من امر المستقبل شئ
الطرطور: ماذا تعرف عنى؟
عصام: الطرطور فى اللغة هو الرجل الدقيق الطويل، و فى الملابس هو قلنسوة مخروطية الشكل دقيقة الرأس، و فى الاطعمة هو نوع من المقبلات يتخذ من الطحينة و الثوم و الليمون.
الطرطور: و هل لى تاريخ؟
.عصام: نعم، كنت لباسا لبعض مماليك مصر
الطرطور: و من هم المماليك؟
عصام: انهم مجموعات من الرقيق تم تدريبهم ليكونوا جنودا و فرسانا، اول من استخدمهم كان الخليفة المأمون، و من بعد ذلك تشجع كثير من الحكام و رجال الدولة على شراء المماليك.
الطرطور: لماذا؟
عصام: لانهم كالجيوش الخاصة، يشتريهم سيدهم و يدربهم على القتال ليصبحوا جيشه الخاص و كذلك مجموعته الخاصة التى تهتف له 
و تمجده.
الطرطور: و ماذا كان مصير المماليك؟
عصام: وصلوا الى الحكم فى الكثير من البلدان و من بينها مصر , الى ان انتهت دولتهم بها فى عهد السلطان العثمانى سليم الاول فى عام 1517 م, و تمت إبادتهم جميعا فى مذبحة القلعة على يد الحاج محمد على باشا والى مصر فى عام 1811 م.
الطرطور: و هل يموت الطرطور؟
عصام: لا, بل يعود الى الرفوف و يستبدله سيده بطرطور آخر.
الطرطور: و متى يُستبدل الطرطور؟
عصام: عندما يكره الناس منظره يستبدله سيده بآخر.
الطرطور: وكيف يحمى الطرطور نفسه من شر الإستبدال؟
عصام: ان يجعل الناس تحبه و تطلب من سيده الا يستبدله, و لكن حينها سيفقد وظيفته كطرطور و ربما انقلب سيده على الناس او اكثر الظن ان ينقلب الناس على سيده.
الطرطور: و هل سيستبدلنى سيدى يوما ما؟
عصام: لا.
الطرطور: لماذا تحدثت عن المستقبل و قلت انك لن تحدثنى عنه؟
عصام: لانه ليس مستقبل الآن, بل هو حاضر, فسيدك لن يستبدلك بل سيقتلك.
الطرطور: ماذا؟؟
عصام: امرنى سيدك ان اقتلك ان سألت و انت لم تكف عن الاسئلة منذ ان رأيتنى, فحياة الطرطور تنتهى ان سأل.
الطرطور: و كيف ستقتلنى؟
عصام: سأقسمك نصفين.
الطرطور: بالعرض ام بالطول؟
عصام: بالطول.
الطرطور: هل ممكن ان تفسمنى بالعرض؟
عصام: إذا قسمتك بالعرض ستظل طرطور و لكن اقصر , و هذا هو ما تريد ايها الطرطور,اما بالطول فستنتهى حياتك للابد, فهل عرفت الآن لماذا تنتهى حياة الطرطور إن سأل؟
و تم شق الطرطور طوليا و جاء سيده بطرطور آخر.

Saturday, 9 June 2012

ممكن تكون حلوة

بلغوها فى العمل ان عليها تجديد صورتها فى بطاقة التأمين الصحى "ما يصحش يا مدام حنان يبقى عندك ٣٠ سنة و حاطة صورة الثانوية العامة فى كارنيه التأمين الصحى"، حاولت مع المدير ان تشرح له ازمتها فى التصوير فدائماً صورها بشعة و ان الله لم يخلق وجهها فوتوجونيك، طبعاً لم يقبل المدير هذا الكلام و أصر ان تأتى بصورة جديدة لها بعد يومين.
أخذت ابنها من الحضانة و ذهبت الى البيت، و كالعادة الأنبوبة فارغة و زوجها مازال ينتظر دوره فى الزحام و الطابور الطويل من اجل حفنة انبوبة، لا غداء ساخن اليوم، فالساندوتشات هى الحل، أعدت لطفلها ساندوتشات من الجبن و التونة و ندهت عليه ليأتى فالطعام صار جاهزاً، و لكن الولد لم يرد، فذهبت الى غرفته فوجدته واقفاً فوق فراشه و يحاول لصق لوحاته و رسوماته الصغيرة على الحوائط، فتصرفت كأى ام مصرية صميمة  "هاتبوظ الحيطة يا واد" انتشلت الطفل من فوق الفراش و فى يده آدوات الجريمة من لوح و مواد صمغية كفيلة بإستدعاء النقاش لدهان الحوائط من جديد، و لم تكن تلك هى المرة الأولى فكانت للفنان سوابق كثيرة من هذا النوع ، فأخذت الأم تضربه على مؤخرته الهزيلة و تفرك أذنه التى تشبه قطعة القطائف "مش قولنا مليون مرة حيطان البيت لا".
 فيجيب الطفل فى براءة و إصرار " ماليش دعوة انا عاوز اعمل معلض، الميس قالت لنا ان كل فنان لازم يكون عنده معلض، و انا عاوز اعمل معلض و اعزم صحابى و  الصول تنزل فى الجلايد".
 تركت الفنان الحالم للحظات لأن والده المطحون جاء يحمل الأنبوبة الحلم، و جلس الرجل على الانتريه الفاتح اللون و هو يتصبب عرقا بعد ان اسقط حمل الانبوبة من على كاهله.
-" يالهوى يا مصطفى انت قاعد ع الانتريه بعرقك و قرفك ده!! الانتريه فاتح يا اخويا مش هيستحمل عرق سياتك".
 فيشاركها الرجل موسم الخناق الزوجى "ارحمينى يا حنان، انا هلاقيها منك و لا من مديرى و لا من مشوار الانبوبة...انا بتهان يا حنان".
 و طبعاً واصلت حنان تطبيق شروط حصولها على جنسية زوجة مصرية صميمة و قالت" انت و ابنك بتعاملونى زى ما اكون خدامة عندكو، طب دى الخدامة بتاخد اجرة ، فين اجرتى، طب و الله انا سايبه لكم البيت و ماشية" .
 اخذت حقيبتها و خرجت و جدت المصعد لا يعمل، فاضطرت ان تنزل السلم على قدميها، و فى الطابق الذى يلى طابقها، وجدت ستوديو تصوير عليه لافتة "ستوديو كراكيب" نظرت الى نفسها، فوجدت انها ترتدى نفس ملابس الاسبوع الماضى، تنورة مشجرة بكل انواع الزهور، و قميصاً واسعا لونه باهت من كثرة الإستعمال، و وجه لامع من عرق المواصلات و حر الصيف، و مع ذلك قررت ان تخوض تجربة التصوير من منطلق "ان الصورة كده كده بتطلع وحشة"، فدخلت الشقة و لكنها لم تر احدا و الإضاءة خافتة و الشبابيك مغلقة، فتجولت قليلا لترى على مكتب امامها جمجمة و عظام فصرخت صرخة كفيلة ان تبعث هذه الجمجمة من مرقدها,  فخرجت لها شابة فى العشرين من داخل الشقة "فى ايه يا فندم؟" فأشارت حنان الى الجمجمة و العظام , فضحكت الفتاة و اخبرتها انها كانت تدرس فى كلية الطب و هذه اشياء كانت تذاكر عليها, طلبت منها حنان صورة, فقالت لها الفتاة "طب تعالى خشى معايا جوة و شوفى تحبى تتصورى فين" فدخلت معها حنان, و وجدت ان الشقة مقسمة لغرف, كل غرفة تحتوى على آدوات متعددة و حوائط بألوان مختلفة, فدخلت الغرفة الاولى و وجدت حائط كبير عليه لوح لطفل صغير كالتى يرسمها ابنها, فقالت الفتاة "دى لوحى و رسوماتى و انا صغيرة انا اللى رسماها" فابتسمت حنان ابتسامة خفيفة لانها تذكرت لوحات طفلها و شقاوته التى ان كرهتها احيانا تحبها دائما, و ذهبت الى غرفة آخرى و وجدت كنبة حمراء اللون على شكل شفاه, و كأنثى طبيعية جلست حنان على الكنبة دون ان تتكلم حتى سقطت هى و الكنبة على الارض, فاعتذرت الفتاة و قالت "لا مؤخزة اصل الرجل الشمال مكسورة و اللى عايز يتصور عليها بيقعد على الناحية السليمة ناحية الرجل اليمين", و  "ما لقتيش الغير المكسورة دى تصورى عليها الناس؟", فأجابت الفتاة "اصل ماما عندها كوافير و كانت الكنبة دى فيه و اتكسرت فاخدتها عشان مش معايا فلوس ابتدى و افرش الستوديو كويس",وجدت حنان فى نفس الغرفة صورة بالابيض و الاسود لشابة فى الاربيعينات و سألت "الله مين دى؟", "دى صورة جدتى الله يرحمها",  دخلت حنان الغرفة الاخيرة و وجدت جيتار فسعدت جدا و امسكته و قالت "الله كان نفسى امسك جيتار من زمان" و طلبت من الفتاة ان تأخذ صورة بالجيتار لكنها انتبهت فجأة ان الجيتار اوتاره مقطوعة من المنتصف "طب ازاى هاتصور بيه و اوتاره مقطعة كده؟", فترد الفتاة بهدوء "عادى انتى امسكيه و اتصورى و هاحط وشك مكان الاوتار المقطوعة بالفوتوشوب", فتسأل حنان"ده كان بتاع مامتك بردو؟", "لا ده كان بتاعى و والدى كان عنده محل كشرى كان فيه واحد شغال معاه فيه اسمه حوكشة كان كل شوية يطلب منى الجيتار يلعب بيه شوية لحد ما اقطع الاوتار و بقى كراكيب",  فتضحك حنان لدرجة البكاء و تسأل "هو فى حاجة سليمة هنا؟", "الصراحة لا و الستوديو اسمه كراكيب عشان كله كراكيب, فشلت فى الطب و قررت اعمل حاجة بحبها, ممكن الفشل يكون بداية السعادة, و انا الحمد لله دلوقتى مبسوطة". فتقرر حنان ان تأخذ صورة فى كل حجرة, حتى الجمجمة احتضنتها فى صورة ثم قالت "انا اصلا  كنت عايزة صورة عادية خلفية بيضة , بس خايفة تطلع وحشة عشان مش عاملة مكياج", فترد المصورة الماهرة "انتى مش انبسطى بجد من الصور اللى اخدناهم دلوقتى", "اه جدا",  يبقى الصورة اكيد هتطلع حلوة
عادت حنان سعيدة الى منزلها فذكريات الفتاة المصورة اسعدتها و اشعرتها ان السعادة لا تحتاج الكثير لنحصل عليها, فربما كراكيب تشعرنا بالسعادة
قررت حنان ان تقيم معرض لإبنها كما طلب, و بأقل التكاليف و ليس على حوائط المنزل كما ارادت هى, فكان الحمام ذو الجدران السيراميكية انسب مكان للمعرض فاللصق لن يخدش جمال السيراميك او الحمام, و ارتدى الطفل بدلة الافراح و دعى اصدقاء الصف للمعرض, و جاءت مصورة ستوديو كراكيب لإلتقاط صور المعرض, و جاءت بصديقة لها صحفية فى مجلة اطفال تصدر عن قصر ثقافة  المنطقة التى يعيشون فيها, و سعد الطفل بمعرضه الاول الذى اطلق عليه "حرف ال ر" فهو لا يستطيع نطق الراء و رسم لها صورة جميلة و اطلق على المعرض اسم هذه الصورة, بينما سعدت حنان عندما رأت اول صورة حلوة لها بدون تجميل او حتى غسيل وجه, فالسعادة الناتجة من صغائر الاشياء اكثر رونقا من التكاليف
و لكن حدث ما لم تحسب له حنان اى حساب, اراد احد الاطفال دخول الحمام, و الحمام هو مكان المعرض, و التواليت مغطى بالزهور الآن :)))  فكان الحل هو ان تطلب من المصورة دخول حمام الستوديو فترد الفتاة
اه اوى اوى بس هو التواليت من غير شطافة اصل خالى كان عنده محل آدوات صحية و لما فتحت الستوديو ادانى تواليت عنده من الكراكيب, بس تعالوا هنتصرف ان شاء الله

Friday, 8 June 2012

ورد النيل

اخبرنى معلم التاريخ فى الصف الخامس الإبتدائى ان ورد النيل هو نبات ينمو فوق سطح النيل، ادخله محمد على باشا الى مصر كهدية لإحدى الاميرات لتزين به نافورات قصرها، و بعد ذلك نما النبات نموا عظيما و اصبح التخلص من زوائده ضرورة، فتم إلقاء الفائض منه فى نهر النيل، و ما نراه الآن بطول مجرى النهر هى ذرية تلك الزوائد
ورد النيل بطول النهر بدمياط
اخبرنى معلم العلوم فى الصف الثانى الإعدادى ان نبات ورد النيل هو مشكلة تعانى منها مصر، فهذا النبات ضار لانه يستهلك حوالى ٤ لترات من ماء النهر يوميا، كما انه يستهلك كميات كبيرة (نظرا لنموه الهائل السريع) من الاكسجين الذائب فى مياه النهر، و هو الغذاء الاساسى للاسماك مما يضر بالثروة السمكية (التى يبهرنى استغلالها) و يسبب موت الاسماك، كما انه مأوى لعديد من انواع القواقع الضارة مثل البلهارسيا
اخبرنى عم حسن المراكبى فى احدى نزهاتى النيلية البهيجة، ان ورد النيل يسبب إعاقة لزورقه الصغير، و انه كان سببا لكثير من حوادث المراكب النيلية الصغيرة "فجأة تلاقيه ادامك زى عملك الاسود و لازم تحود من سكته" و ان الرجل يتشاءم منه
اخبركم عن ورد النيل، فمن خلال مشاهداتى المتواضعة فى الحياة، لم ارى شيئا موجودا بسبب عبثى، لا يخلق شئ من فراغ او لمجرد الضرر فقط، حتى هؤلاء الاشخاص القادرون على إظهار غضبك او اسوأ ما فى نفسك من صفات لهم مميزات كثيرة: غير تكفيرهم لذنوبك إن كظمت غيظك، فأنت تعلم نفسك من خلالهم و ان كانت نفسك السيئة الت تتعمد حجبها، و لا شك ان العلم نفسه هبة حتى إن لم تطرب لما تعلم، فيكفى العلم
ربما ورد النيل مازال ينتظر احد العلماء ليكتشف فيه فائدة او دواء ينفع الناس، او احد الصناع يستنسخ منه صناعة، او حتى احد المخرجين ليكتشف فيه موهبة التمثيل، و يدخل التاريخ كأول نبات يقف امام كاميرا فى بطولة مطلقة، و الى ان يأتى آوانه فما اعرضه هو اسلوب لرؤية الامر الواحد من عدة جهات، ربما نجد شيئا جديدا، فأنا مثلا كلما رأيت ورد النيل اتذكر تاريخ محمد على بحلوه و مره وكلما تذكرته او قرأته فى عمر مختلف وجدت جديدا

بيتهوفن موسيقار المانى 1770-1827
انظر الى الضر و كأنه النفع بعينه، فالسيمفونية التاسعة لبيتهوفن و هى الاشهر له على الإطلاق، بدأ انغامها بصوت طرق صاحب المنزل على بابه و هو لم يكن معه ثمن الإيجار عند سماع تلك الطرقات، فبدأ تأريخا لحياته من تلك الطرقات، و اخيرا و ليس اخرا، فالضوء الابيض ذاته سبعة الوان...تفاصيل الحياة تستدعى التركيز

غزوة صناديق الكوكا

ليس هذا الشارع موقفا لإنتظار الميكروباص او حتى التاكسى، و لكنه قريب من طالعة الدائرى كما يبرر سائقى الميكروباص إشغالهم الدائم له، قبل الثورة كان امناء الشرطة و رجال البوليس فى المنطقة يأتون لتنظيف الشارع من زحام السائقين و سبابهم، احيانا كان يفر بعض السائقين عند رؤية الميرى، و احيانا كان يدفع السائق للميرى فدية للوقوف مكانه، الخاسر هنا هم سكان الشارع و اصحاب المحلات، لا سيارة تستطيع الخروج او الدخول الا بعد انتهاء دورة حياة الميكروباص من انزال الركاب، ثم انتظار الجدد، ثم اكمال العدد، و فى النهاية انتظار صف الميكروباصات الذى امامه حتى ينادى التباع "دور العجل يا اسطا". اما بعد ثورة يناير المباركة قام السكان بتنظيف الشارع من القمامة فقط، اما الميكروباص فأصبح لا يقدر عليه الا ربنا، فإذا اتت الشرطة انكرها السائقون انكارا، بل اصبح 
الميرى يخاف من الميكروباص، حتى استوعب الميرى مفاهيم الثورة و اثبت لنفسه قبل الجميع ان الثورة نجحت لنرى



الدرس الاول: اللجان الشعبية .....من النهار ده مفيش حكومة انا الحكومة


ابهرت مصر العالم بلجانها الشعبية التى حافظت على امن الشارع اثناء دخول الداخلية جحورها، فتعلم الميرى هذا الدرس الذى انبهر به 
هو شخصيا، فبدلا من لجنة تقف بالمرصاد او بالإتاوة لسائقى الميكروباص، انشأ الميرى لجنة شعبية من تاجرة مخدرات شهيرة بالمنطقة و ابنها المسجل خطر، و فى يد كل منهما "كارتة" ليست لدخول العين السخنة ، بل للعين الحمرا حفظ الله سيارتكم، فر الملاكى من الشارع فرا، و نسى السكان ان لهم سيارات، فالجميع منذ هذه اللحظة فشل فى استخراج الرخصة او فشل فى  تعلم القيادة من
الاساس، اما الميكروباص فكسرت انفه كسرا و بدلا من الإتاوة الاسبوعية اصبحت حسنة فى ايد الحاجة و ابنها يوميا

الدرس الثانى: لا لمركزية السلطة و اشراك الشعب فى اتخاذ القرار

و طبعا لم تستطع سيارة المياه الغازية التى تغذى محل المثلجات بالزجاجات و الكنزات ان تقتحم هذه الجيوش الميكروباصية, فذهب صاحب المحل الى طنط الحاجة ام المسجل خطر, و طلب منها ان تفسح الطريق لسيارة البيبس, و لكنها لخصت رفضها فى جملة "امشى ياه" و لم يمشى الرجل و سب لها كل ما يجوز او لا يجوز سبه, فاستعانت بصديق و اتصلت ابنها هاتفيا "بيتحرشوا بأمك يا قطب", و جاء قطب الذى يعلم  انه لا توجد نفس لأحد للتحرش بكائن فاقد الانوثة كأمه, و علم من الرجل مطلبه, فقال له :"مش عجبك امشى ياه, طب امشى يا حيلتها" , فرفض حيلتها المشى بل جاء بصانديق الكوكا و البيبس الفارغة و وضعها فى الطريق بطول الشارع "ابقى ورينى يا قطب الميكروباصات هتعدى ازاى؟" انطلق قطب بدراجته البخارية و قال  "انا  رايح بطن الزير", لم يفهم صاحب المحل "حيلتها"  ماذا تعنى العبارة التى كانت ملكية خاصة لضابط البوليس احمد رمزى فى فيلم ابن حميدو, و على الفور جاء بلطجية بسيوف تحاوط حيلتها و اولاده و قاموا بتكسير الصناديق و نثر الزجاج على المنازل و السيارات و المارة الابرياء بهذا الشارع, فاتصل احد سكان الشارع بالبوليس الذى ادهش الجميع بسرعة القدوم الغير معتادة, فصاح قطب فى وسط الشارع "البوليس بينصص معانا فى الكارته يا حيلتها", و لكن لم يسكت حيلتها بل وافق على مبدأ الصلح خير الذى فاجأه ضابط البوليس بتطبيقه, و
اصطلح مع قطب و طنط الحاجة ام قطب

الدرس الثالث: اخلاق الميدان فى كل مكان

و فى نفس اليوم ذهب ابناء حيلتها الى المنزل , بينما وقف حيلتها يسقى بلطجية الماضى و اصدقاء الحاضر ببس و كوكا نخب الهدنة ,  و إذا بأبناء حيلتها يأتون على البلطجية من خلفهم بسيوف و صناديق بيبس و كوكا فيفر البلطجية هاربين, و لكن لا يتركوا ميدان المعركة لحيلتها و اولاده,  فذهبوا بباقى و فوارغ الزجاج لتكسير الكوافير الحريمى الموجود بالشارع,  فأسهل طريقة للإرهاب هى ترويع النساء, فصاحت النسوة جميعهن, , و فررن جميعا الا واحدة, ظللت تحت سيشوارها كما هى, فدخل عليها البلطجى و ضحك على منظرها قائلا " و انتى بقى انس و لا جنس؟" فنظرت له الفتاة نظرة ماكرة, و اخرجت شفرة نسائية انيقة من بين اسنانها, و ردت عليه و الرولو يملأ شعرها "انا بنت حيلتها يا لاه" ففر الرجل من المحل هاربا, و بقيت هى تحت سيشوارها فى سلام

موسم العنب

صامت دائما لدرجة ان الجميع يظنه تائها، ربما فى صمت البعض حكمة و فى صمت آخرين رفض، و فى صمت الاكثر إستسلام ، فما هو صمتك؟ احيانا يختلط الصمت بالحزن و الشجن خاصة ان كان فى ملامح الوجه شئ من التقسيمات الرومانسية حتى ان لم يمن الله عليها بالجمال، ففى اللوح و الصور التى تجسد الفقر تجسيدا فى وجوه ابنائه رومانسية لا يشعر بها الا دونجوان بالفطرة لا بالإكتساب.
لى ابنة عم جميلة و ثرية، والدى يدير لها اعمالها و حياتها، احبت شابا طيب الاصل و لم يقبل ان يزوجها له والدى، فهو يرى ان الشاب طامعا فى اشجار العنب التى ورثتها الفتاة، حاولت مع والدى مرارا ان يوافق و يبارك الزواج الا انه رفض لنفس السبب. كان لابى عمال فى حدائق العنب يقطفون و يسلمون المحصول للتاجر، ضجروا من تقطير ابى عليهم فالمحصول كبير و الراتب هزيل، ثاروا عليه، و هددوه بحرق المحصول، لم يخف ابى من هذا التهديد بل خاف من امتناع العمال عن العمل فجميع الفلاحين فى قريتنا و القرى المجاورة يعلمون ظلم ابى للكبير قبل الصغير، فلا يرضى احد العمل عنده و يضطر التجار للعمل معه، كان ابى يجنى المحصول صيفا و يبيعه فى شهر سبتمبر " عشان يا ابنى التاجر من دول يجى و يشترى العنب بالسعر اللى انا عايزه و يبقى واقف يلم الحبايه من على الارض" ، ساندت الفلاحين و العمال فى اضرابهم، وطلبت من عريس ابنة عمى ان يأتى و يضم صوته لصوت العمال فكفتهم لن تكون هذه المرة خاسرة، رفض العريس، و لكن عندما علم ان ابى بدأ فى زيادة الاجور شيئا بسيطا، جاء و وقف معنا حتى استجاب ابى لجميع
المطالب و منها خطوبة ابنة عمى على هذا الشاب.
عمت النشوى محيطى الصغير، فالعمال فى انتظار الاجور الجديدة و العريس فى انتظار اتمام الزواج، كان مطلبى هو الاول فى جدول التنفيذ المقترح، و هو بيع العنب فى موسمه، ماطلنى ابى و ماطل الجميع، حتى العريس الذى كان يريد العجلة بالزواج ماطله ابى، فجمعت الجميع حولى ثانية و وقفنا امام ابى كالوقفة الاولى، اين المطالب؟ اين الإستجابة؟ حتى وجدت نفسى يوما ما اقف وحيدا فخطيب ابنة عمى وجدته يقنع الجميع " الاجور يا جماعة هتزيد لما يعدى موسم العنب، عشان التاجر من دول يلم الحبايه من على الارض لم عشان هيدفع دم قلبه فى المحصول، هو عنبنا فيه زيه؟ و اجوركم ان شاء الله هتزيد انا حلفت الحاج على المصحف ، ادونى ثقتكم المرة دى."  كما عين والدى رئيسا للعمال و الفلاحين اختاروه و انتخبوه بنفسهم ليشرف على العمل و العمل على تحقيق المطالب، حتى هذا الرجل رقضته رفضا لانه هو الوحيد الذى زاد اجره من اول يوم دونا عن الجميع، فتملك الشك نفسى، فصارحت الجميع بمخاوفى و كان الرد صادما "انت دايما مش عاجبك حاجة؟" .  تركت القرية كلها فالامل مفقود و جلست هنا صامت و لكنى سعيد، فالحرب لا تستحق مع عقول عليها اقفالها ! و جلست هنا اراقب النجوم فى المساء و انتظرها فى الصباح حتى صارت النجوم اقرب لى منى جنسى البشرى، بديعة النجوم فى سماء الصحراء لا شك فى هذا.

 حتى زارنى خطيب ابنة عمى فى يوم ما، لم افاجأ بأنه لم يصعد لمرتبة زوج كما وعده ابى بعد بيع محصول العنب فى دون الموسم، و لم افاجأ ايضا ان والدى اقال زعيم العمال السابق و جاء بآخر منتخب ايضا، و اراد الرجل ان اعود الى القرية لاقف امام والدى معهم من جديد، فقولت له انى سأعود الى القرية فى موسم العنب الذى فيه سأصير من جنس النجوم، او ستصير النجوم اناسا ، او ربما يباع فيه العنب، انا هنا فى انتظار موسم العنب. فأحيانا تكون نجوم فى السماء اقرب إلينا من عنب معلق على اشجار

Tuesday, 5 June 2012

المبروكون

هكذا الافكار, تأخذنا من الاشئ الى الشئ، فى احد رحلاتى اليوتوبية البهيجة التى ابحث فيها عن نوادر عكاشة و شفيق و القذافى، لفت انتباهى هذا الفيديو بعنوان "مفيد فوزى يسقط القناع عن محمود سعد" فالفيديو عبارة عن فقرة الشعب يريد ان تسقط القناع المقتطفة من حلقة تسجيلية مع الإعلامى الربما مفيد "مفيد فوزى" من البرنامج الافضل الذى قدمه طونى خليفة برمضان الماضى "الشعب يريد"، شاهدت الفيديو قرابة الخمس مرات و اقسم انى لم استمع لكلمة واحدة مما قال مفيد فوزى، فكل حواسى تجمعت فى حاسة النظر ، و ان كان البرنامج مباشر لاتصلت بطونى و اخبرته ان الشعب يريد ان يسقط الباروكة لا القناع
 ليس غريبا انا ارى مفيد فوزى بالباروكة فهو يرتديها من يوم ولدت انا، و ربما اكثر من ذلك، و لكن الغريب هو لونها ، سوداء كليل بهيم، لماذا عزيزى مفيد فوزى الباروكة سوداء؟  ربما كانت هذه الباروكة السوداء مصدر إلهام بالنسبة لمرتديها، او مصدر فخر، و لكنها بالنسبة لى اكثر من مصدر سخرية، فكانت مصدر بحث ، فعلى الفور استعنت بجوجل و كتبت "تاريخ الباروكة" فوجدت لا جديد عن معلوماتى السابقة، فالشعر المستعار اول من ارتداه هم "فراعين" مصر، وفى العصر الحديث هو لويس الرابع عشر، تابعت البحث حتى وجدت احد الاسئلة على جوجل ايضا "من هو اول من لبس الباروكة" السؤال يبدو موضوعيا و كذلك كانت الإجابات، و لكن كان من بين الإجابات واحدة تقول : سمير صبرى او سمير غانم او اى سمير
ايها الرجال  المبروكون لماذا الباروكة؟ هل هذا تجميل؟ ام اختبار لنا فى ضبط النفس ؟
ثم يفاجئنى جوجل ايضا ان هناك امرأة اصيبت بالسرطان و رفضت ارتداء الباروكة حتى شفاها الله من هذا المرض نهائيا، انها الإعلامية الصامدة كوطنها فلسطين" ميساء ابو غانم" التى كانت تتميز بشعر اسود كثيف كليل ساحر و ليس بهيم كليل مفيد فوزى، ادعوكم لمشاهدة المزيد من حوارات ميساء ابو غانم هذه المرأة التى غلبت السرطان، فهى تستحق المتابعة.



و فى الختام اشكرك عزيزى مفيد فوزى فقد اضافت لى باروكتك الكثير، و جعلتنى اعرف مدى احترامى لرجل مثل محمود سعد ارى .شعره الابيض كل يوم بلا باروكة او صبغة