مجموعة من الحكايات اطلقت عليها اسم "ضل حيطة" لان جميع البطلات نسوة يعشن بدون ظل الرجل، و محليات لانها غارقة فى المحلية المصرية.
تكرار المنظر يجعل العقل لا يلتفت الى التفاصيل, فالامر مسلم به, و هذا هو حالنا مع هذه السيدة و غيرها من النساء, تلك الارملة الفقيرة التى تسكن مع اولادها فى منزل متهالك الجدران, و نتذكرها احيانا فى العيد بنفقة او بكعكة و اين هى من اللحم؟
توفى الزوج الخباز بعد صراع طويل مع المرض, شاب فيه شعرها الذهبى و تفتحت الى الحياة اربع زهرات هن بناتها اللاتى اقتصر تعليمهن على الإعدادية, مسئولية الإطعام و العلاج و تجهيز البنات للزواج كانت اهم من التعليم, او على حد تعبيرها
"مش مشكلة الشهادة مادام بيعرفوا يقروا القرآن, هنعمل ايه بالتعليم؟" هو المنطق ! فدعونا نرى المنطق الزينبى (نسبة الى اسمها زينب) فى إدارة الحياة.
عندما مرض الزوج و نفذت المدخرات فى رحلة العلاج الحكومية الفاشلة, كان لابد لها من عمل, فاشترت مجموعة من صناديق الحلوى و جعلت من بوابة منزلها ذو الطابق الواحد, منفذا للبيع, فكانت حتى لا تقوى ماديا على شراء كشك, و كانت تحكى عن تلك الآيام اليائسة الفقيرة "لا فيه على الاكل لحمة و لا فراخ كله فول و طعمية, بس تلاقى وش البت من بناتى زى طبق الورد كأنها واكلة المحمر و المشمر".
كانت صدقة احد اصحاب متاجر السلع الغذائية الإستهلاكية فى المنطقة التى تسكن فيها, هى فاتحة الخير و الرزق, فقبل نفحات رمضان بآيام ارسل لها هذا الرجل سمنا, سكرا و زيتا, النموذج الشهير لشنطة رمضان, فبدلا من ان تأكل من هذه الصدقة هى و بناتها, اضافتها الى بضاعتها فى متجرها الصغير, و لأنها عليمة بظروف الناس و حاجتهم, باعتها بالتقسيط, فعندما علم التاجر الكريم الذى اهداها صدقته ما فعلته بها, اخذ يرسل لها السلع بكميات كبيرة تبيع هى بالتقسيط و تسدد له ثمنها بالتقسيط ايضا, اقساط و جمعيات حتى بنت طابقين فوق الطابق الذى تسكن فيه, و فى كل طابق شقتين الواحدة منهما عبارة عن غرفة و صالة و الحمام مشترك, حتى تكون قد اتمت رسالتها تجاه الشقيقات الاربع.
"انا محتاجة رجالة معايا" هكذا كان التبرير لبنائها شقق لبناتها بالرغم من ان الشقة هى نصيب الرجل من اعباء الزواج, فموروث (ضل راجل و لا ضل حيطة) مازال يقظا بداخلها, و لم تلتفت لحظة الى نجاحها بمفردها فى الخروج من نفق العوز المظلم, فلرب ماضى اقوى من مضارع !
و كلما خطبت فتاة اشترت لها زينب بوتجاز و ثلاجة, و يأتى العريس بباقى الفرش و الاجهزة, و كان كل طابق من الطابقين كان يستخدم بوتجاز واحدة و ثلاجة شقيقتها , و يخزن البوتجاز الآخر و الثلاجة الآخرى لحين إنتهاء خدمة البوتجاز و الثلاجة قيد الإستعمال "اصل الحاجات دى مهمة و لو باظت ما اضمنش يعرفوا يجيبوا تانى زيها و لا لأ, الدنيا غالية و لسه هايجيبوا عيال, فقولت اشيل لهم الحاجات دى احتياطى."
و بعد تستير البنات, على صوت حنين لم يسكت لحظة لزيارة بيت الله الحرام, ففى وجدان الشرقى الدين نابض, يتقلب بين اغصان شجرة العمر بين الثبوت ثم الرفض ثم الشك ثم الرفض ثم اليقين الى الإسلام فالإستسلام, و فى السبعين من عمرها كانت هى عندما اتمت مبلغ رحلة الحج البرية ذات السكن الخماسى الغرفة, رحلة شاقة كان الحج و كان الاشق هو الطريق الى الكعبة الذى بدأ منذ صراعها للنجاة بأطفالها الى الجمعيات التى دخلتها لمدة ثلالثة اعوام حتى تدبر مبلغ رحلة الحج الاكثر مشقة.
"الحمد لله ربنا ما حرمنيش من حاجة, حجيت مرة و ادينى طالعة عمرة السنة دى, بحوش فى تمنها سنتين" و عندما سألتها الم تدخرى مالا من قبل من اجل وجبة كباب ساخنة؟
ضحكت و قالت : "هابقى اعين فلوس بعد ما ارجع من العمرة و اجيب لعيالى كباب, ثم لتسألن يومئذ عن النعيم, ربنا ينجينا يا بنتى."