مشاجرة عادية بينها و بين امها حول المرفوض و المفروض, ليست الاولى و لن تكون الاخيرة, فهى فى العشرينات و لها منها من تقلب و سخط و رفض, و احياناً هدوء و كثيراً نفور ! فما اصعبها من مرحلة على كل من له عقل يحسن به الإستخدام, إنها المراهقة و لكن ليست بين الطفولة و الشباب, بل بين الوجود و العدم, بين ما بداخلنا من إنسان و حيوان !
الام لا يعجبها السلوك, تكره الافكار, اما البنت فلا تعرف سوى الرفض, إنها تصارع الموجود كمن صارع طواحين الهواء, انتهت المشاجرة فى ذلك اليوم نهاية مفتوحة كالعادة تغلقها الفتاة بغلق باب حجرتها على نفسها, لتفتح مجلة ملقاة امامها على الفراش و تجد صورة لطفلة صغيرة فى مهدها, غارقة فى شهد احلامها, ليس لها فى الدنيا من رغبة و لا ذنب ! هادئة..مطمئنة..تائبة من ذنب لم تقترفه بعد, و إذا بفتاة العشرين تبكى و تموء كقطة جائعة, بكاء يتقلب بين رقة المنظر و غزارة الدمع, بكاء على امنية لسان حالها "ياليتنى كنت طفلة بلا عقل و بلا جنون !" ...لتخرج من طفولتها و تعود الى انوثتها من جديد و تقرر ان تنزل الى الناس و الشارع, و تدب قدماها على الارض بكل ما اوتيت من انوثة و تنظر الى العالم نظرة تحدى لكل شئ حتى للطفلة التى بداخلها التى كانت تبكى منذ قليل, و هى تسير و هو يسير من خلفها, كلما مرت بشارع رأته كظلها, كلما دخلت متجر و جدته يقلب بيديه فى البضائع, يتفقد المعروضات كمن يتصفح المجلة ليشاهد الصور فقط, ليس له من الإهتمام من شئ..إنه فقط يسير معها فى طريقها..."اهو لص؟ ام قاطع طريق؟ ربما هى صدفة !" حتى اختفى عن ناظريها لدقائق شعرت فيها بشئ من الإطمئنان, و بمجرد ان لمحت عمامته الفلسطينية من جديد و قميصه القديم المتهالك, هلعت و خافت, و تأكدت انه متربص بها و شعرت انها النهاية, فمن فى تمردها و عصيانها تستحق النهاية الاسوأ "ربما يسرقنى و يقتلنى بعدها" حتى إن لم يفعل ذلك فنظرته التائهة الغامضة قتلتها رعباً و سرقتها الى كل منكر فعلته.
خرجت من المتجر و هى تسمع صوته وراءها..خرجت و من عينها ينحدر خط من الدمع الساخن..الحنين الى الطفولة..و إنتظار النهاية فى نفس الوقت "كيف سيفتك بى هذا الغريب؟", لتجده ينصرف بخطاه عنها, و يكشف عن ساعة ذهبية تحت اكمام هذا القميص البالى و يركب سيارة انيقة و ينطلق فى طريقه..."كيف هذا؟ اهو غنى ام فقير؟ اهو لص ام عربيد؟ " و لكنه يرتدى ذهباً, اى انه ليس زاهداً .
ذهبت الى منزلها و مزقت صورة الطفلة, و بعد ان غسلت وجهها من انوثة مستحضرات التجميل نظرت فى المرآة و وجدت طفلة اخرى !
No comments:
Post a Comment