Saturday, 28 April 2012

زهرة

زهرة الاسم و الطلة، ولدت فى احد اقاليم مصر لاسرة متوسطة الحال و سط عدد لايهان من الاخوة و الاخوات، حصلت على شهادة جامعية نظرية لا تسمن و لا تغنى من جوع فى ظل اختلال سوق العمل المصرى، و فور الحصول على شهادة دق الرجل الباب او كما قال لها من بلغوها "جالك ابن الحلال!" و هى لا تعلم تسعد او تحزن، و لكن من بلغوها قالوا لها اسعدى فهو ميسور الحال يعمل فى الخليج لديه كل شئ من شقة و آثاث، و تقول هى لنفسها و هل انا لمن يدفع؟ و بالطبع قرأت امها هذا السؤال فى عينيها و سارعت مستطردة"طبعا يا بنتى احنا مش هنغصبك على حاجة اقعدى معاه و شوفيه". جاء بأمه و خالته الى منزل زهرة و اخذ يتفقدها بعينيه الدقيقتين فأستقر لجمالها و خجلها و صغر سنها الذى كان يبغيه، بينما استقرت هى لفرحة الجميع بها قائلين"مبروك يا عروسة" و هى تعرف ماذا تعنى كلمة عروسة فى مجتمعها فهى طوق النجاة من لوم المجتمع لوحدتها و مرتبة الشرف التى تحصل عليها البنت الجميلة فى سن مبكر...طبعا فالمجتمع يرى انها تفوقت بجمالها على غيرها مع العالم ان الجمال هبة من الله سبحانه و تعالى و ليس لنا فضل فى وجوده او عدمه فقط هكذا يفكرون.
ستة شهور كانت هى فترة خطبتها انشغل الجميع فيها بالشقة و الآثاث تارة و بفض اشتبكات الحموات و الخالات تارة آخرى الى ان جاء العرس و جاءت الطائرة التى حملت العريس و زهرته الى الخليج حيث يعمل.
 فى الشهر الاول من الزواج حاولت هى التقرب اليه وبدى لها كريم القلب و المشاعر..سعيدة هى بالزواج كفكرة و بالرجل ككائن جديد و مختلف. ساد شهرها الثانى بعض الخلافات نتجت من اختلاف الاذواق و العادات فبادرت الام بالنصيحة" معلش يا زوزو بكرة تاخدو على طبع بعض" و تقول هى لنفسها لا بأس من الاختلاف و يا رب ماتجيب لنا خلاف. الشهر الثالث جاء بخطوات بطيئة و بمكالمات هاتفية مشحونة النبرات "حصل و لا لسه؟" "لا ياماما لسه ماحصلش" فالها لامه التى تريد الاطمئنان على عوض ابنها. لم تكن زهرة قلقة بالمرة لفكرة انها لم تحمل فمازالت عروس من ناحية و من ناحية اخرى مازالت تبنى قصرا من الحب تريد ان تتوج زوجهاعلى عرشه فقد كانت تكتب الشعر مغرمة بقصص الحب التى لم تعش احداها من قبل فالكل فى محيطها فى انتظار ابن الحلال.
 و فى ليلة ظنتها هى حلوة حدثته فى الحب و همست "انت عرفت بنات قبلى؟" و انفجر هو فى وجهها "بقى بالذمة ده كلام زوجة محترمة طب يالا كلمينى انتى عن الولاد زمايلك ف الجامعة...انا عارف انك بنت متربية و اخلاقك كويسة ..طبعا انتى تنقية ماما...بس سنك صغير و دماغك محتاجة تظبيط...اعقلى و اعرفى تتكلمى فى ايه و ماتتكلميش فى ايه....هو مفيش عشا الليلة دى و لا ايه؟" خيبة امل كان الشعور..و لكن نصيحة الام كانت فوق كل الالم "بكرة تاخدو على بعض يا بنتى" فلجأت للاوراق و الكلمات..موهوبة كانت هى فى الشعر و الادب..اخذت تكتب و تكتب و تناجى خيالات و اشخاص على الاوراق بعيدة تمام البعد عن ما حولها من تماثيل شمعية.. قصائد عديدة بل دواوين كاملة سرقت فيها السنين الرتيبة و عبارات اللوم لتأخر الانجاب.
زهرة الخشخاش لفان جوخ..قيمة فنية ضائعة
و فى وسط هذا الزحام من المشاعر التى تسكبها على الاوراق سكبا صاحت بداخلها مشاعر الامومة لا لرغبة فى ان يكون لها من زوجها الذى لا تكرهه طفل و لكن كانت تريد بصيص من الامل و الرغبة فى الاستمرار، و بالطبع خاضت هى رحلة من الفحوصات انتهت بنتيجة اتمت بها العام الخامس من رحيلها من منزل اسرتها الى الخليج، "طب ما انتى سليمة ما خلفتيش ليه..ده انتى اللى مش عايزة بقى!" بهذه العبارات قذفتها حماتها التى لم تفكر لو للحظة ان ابنها قد يكون سببا فى تأخر الانجاب..فقد كانت كأبنها " انا متأكد من نفسى انا سليم و الحمدلله مش معقول يكون فيا حاجة" لاشئ يعلو فوق ارادة الله و لكن اخذت زهرة بالاسباب و تأكدت من قدرتها على الانجاب و لم يزد هذا زوجها الا عصبية و غضب فقد بدأ يتأكد و ان لم يُظهِر انه السبب فى تأخر الانجاب..عصبية وصلت الى حد الاهانة باللفظ و اليد، اوقات عصيبة عاشتها لمدة عام، صارحت امها برغبة فى الطلاق و كانت النتيجة من الام المحدودة التعليم انها سارعت بالبخور.."طبعا ما انتى محسودة يا حبيبتى ع النعمة التى فيها انتى و جوزك!" اما والدها فكان اكثر وعيا و حدة من والدتها فقد كان يعى نظرة و طمع ذئاب المجتمع لمطلقة جميلة فى العشرينات من عمرها..صح يا بنتى الطلاق كتر الآيام دى بس الدنيا برده بقيت وحشة اوى الآيام دى و انا خايف عليكى.
انتهت آيام الاجازة فى مصر سريعا و طارت مع زوجها الى البلد التى يعمل بها، كانت تعيش فى ثورة من غضب زوجها الذى اشعله الحاح امه بأسئلتها على الانجاب، احساسه انه المعيب و تلميحات والد زهرة بأهمية الكشف الطبى على الزوج .
الصمت ساد منزل زهرة بعد آيام من الغضب الساطع، و فجأة تحول كل هذا الصمت الى حديث و لهفة على الاهل و الاحباب، ففى مصر ثورة و انفلات امنى، شهداء يسقطون و منازل تسرق و تنهب و الاتصال بالاهل مقطوع استر يا رب!
الاخبار غير كافية عن الوطن، فكانت شبكات التواصل الاجتماعى هى الحل فهى النبع الذى تفجرت منه ثورة الغضب الاولى فى تونس و الثاية فى مصر ، كان لزهرة مشاركات طفيفة على شبكات التواصل الاجنماعى زادت بالطبع فى فترة الثورة للاطمئنان على ارض الوطن و لشد الازر لكل من شارك او اصيب. و انتهت الثورة بخلع رئيس فقط! و توالت الاحداث السياسية بما لا يشتهى الثوار، فكثرت مشاركات زهرة على الانترنت فهى قبل كل شئ لها حس ادبى مميز و واقع اليم تريد ان تتوه فى عالم النت الافتراضى لتهرب منه. قلًت مشاجرتها مع زوجها الغاضب لعدة شهور و سعد هو بذلك فقد وجدت هى دمية تلهو بها عنه، الى ان جاء اليوم الذى رمق فيه احد حساباتها الاجتماعية فوجد قطع من اشعارها و محادثات بينها و بين الجميع بما فيهم جميع اعمار الرجال، امعن هو النظر فوجد احاديث منفتحة الافكار و الالفاظ، ثار ثورة عارمة بل جن جنونه لما رآى فربما يكون زوج عادى و يغضب لحديث زوجته مع الغير و بما انه لم يكن عاديا فقد ثار ثورة الغضب الثالثة على زوجته..للآسف ضربها ضربا مبرحا ذهبت على اثره للمستشفى و قالت هناك انها وقعت على سلم المنزل.
كان الصلح بأن سمح لها باستخدام الانترنت فى ساعات معينة مبكرة طبعا بعيدا عن ساعات الليل و ان تراقب الله فى تصرفاتها فهى زوجة مسلمة محجبة اولا و اخيرا. عادت هى و بشكل مفرط الى عالمها الافتراضى و الى اصدقاء عبر الاثير معهم ليلا و نهارا بالعقل و الروح لا بالجسد فالجسد سجين.
بالفعل اصبح الجسد سجين عاقبها بالحبس الانفرادى بدون مال او انترنت فى منزلهما بالخليج و ذهب هو لزيارة اهله فى مصر!
صرخت و تحدثت لوالدها هاتفيا فى حديث تاه بين البكاء و الصراخ و شابه قليل من الكلمات. استدعى والدها زوجها فى مصر و كعادة الاب لين الجانب مشفق على طلاق ابنته حاول ان يبدى النصيحة لا الحفاظ على الكرامة و قال له" زهرة بتحب الانترنت شاركها انت كمان اهتمامتها شوف المواقع الاجتماعية اللى هى بتحبها و خش و اتكلم معاها و مع اصحابها ..يا اينى البنت وحيدة لا شغلة و لا عيل و كمان بعيدة عن امها قدر وحدتها و حاول تقرب منها."
استجاب الزوج لكلمات الاب و عاد اليها عودة مختلفة فأصبح يشاركها التعليقات و الاصدقاء ايضا بدى للجميع لطيفا على غير العادة, و لم يمضى وقت طويل حتى بدأ التحفظ على الكلام و الاصدقاء فلم يعد عندها اى اهتمام لتبديه لملحوظاته و جاءت الطامة الكبرى "يا عمى لو زهرة استمرت فى قلة الادب و الاستفزاز ده زى مادخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف."
"كله الا الطلاق يا بنتى انتى عايزة تفضحينا."
"فكرتى هتشتغلى ايه يا زهرة لو اطلقتى المعاش يادوبك على قدى انا و امك."
"زهرة ما عادتش فاضية للكلام التافه ده يا فاضى منك ليها ...شوية عيال عاملين نفسكو ثوار...و انتى يا زهرة انا مستعد نقلب الصفحة دى من حياتنا و نرجع نحب بعض زى الاول تانى...انا بحبك يا زهرة"
و سكتت زهرة عن الكلام المباح و الغير مباح...لا القى باللوم على احد فليست زهرة ككل نساء هذا الوطن و لا اسرتها ككل الاسر و لا زوجها ككل الازواج, و لكن انا على يقين ان مصر مليئة بالزهور.

2 comments:

  1. كتابة جميلة وتفاصيل ممتعة تحياتي وتقديري
    بلال فضل

    ReplyDelete
    Replies
    1. انا فى اقصى درجات الاعتزاز, الشكر, و الانشكاح :))

      Delete